دافعت من قبل عن فكرة ان تظل سكرتارية تجمع المهنيين التي قادت الثورة كما هي لحين اقتراب انتهاء الفترة الانتقالية ، وأن تجرى تحتها انتخابات النقابات بدون ان يحدث تصعيد من هذه النقابات للتجمع، حتى لا نخلط بين النقابي والسياسي في عمل النقابات ، بحيث تمارس النقابات دورها النقابي فقط وتترك للتجمع العمل السياسي .
الفكرة كان هدفها الفصل بحزم بين السياسي والنقابي ، ان نحافظ على تركيبة التجمع الثورية كواجهة سياسية وليست نقابية ، وأن ننتخب نقابات تمارس عمل نقابي وليس سياسي . ودعوت للمحافظة على أفراد التجمع واعتبارهم كوادر معينة مثل الوزراء وأعضاء المجلس السيادي ، اعترافا بقيادتهم للمرحلة الصعبة ، وإقرارا لحقيقة انهم شكلوا مع رصفائهم في الاحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح الجسم الثوري ( قوى الحرية و التغيير ) ثم خاضوا بهذا الجسم معركة التفاوض مع المجلس العسكري لحين التوقيع على الوثيقة الدستورية ، ثم خاضوا معركة اختيار الكفاءات للحكومة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء ، فهم يتحملون مسؤولية كل القرارات التي اتخذت باسم التجمع في الفترة الماضية ، كما يتوفرون على أسرار ومعلومات حساسة ودقيقة عبر مسار الحركة الثورية من لحظة اندلاع الثورة في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ وحتى اللحظة الراهنة ، وهم لا يمثلون الجماهير المهنية فقط بل يمثلون قطاع جماهيري ضخم من الشعب السوداني .
الحفاظ على سكرتارية التجمع القديمة كان الهدف منها هو إبعاد النقابات عن ممارسة أي دور سياسي يذكر ، وعدم الزج بها في أتون السياسة ودروبها الوعرة ، وتركها لدورها النقابي فقط ، وهذا ما لا يمكن تطبيقه اذا تم تمثيل مكاتب النقابات المنتخبة في تجمع المهنيين ، والذي هو اصلا شريك في السلطة ، وبالتالي ستكون النقابة اثناء ممارسة دورها هي الموظف وهي المخدم ،ما يعني انها ستمثل الخصم والحكم في نفس الوقت ، وهذا ما لا يمكن معه تحقيق أهداف النقابة ، وما يفرز إشكالا عصيا ومخلا يفرغ النقابة من مضمون أهدافها ودورها .
هذه كانت الفكرة التي ادعو لها ، ولكنني تفاجأت ببيان لتجمع المهنيين يعلن فيه عن تشكيل سكرتارية جديدة للتجمع ، ويصف هذه السكرتارية بالمنتخبة من مجلس التجمع ، وهو ما يؤكد بأن التجمع نفسه لا يمانع من تصعيد النقابات المنتخبة الى مجالس التجمع ، ولا غضاضة لديه في تحول النقابات من نقابات خاصة بالعمل النقابي إلى نقابات سياسية، لا فرق بينها وبين الحزب السياسي الا في الاسم . هذا التحول في ممارسة التجمع يجعل الدعوة إلى فكرتي أعلاه بنفس حيثياتها مجرد حرث في البحر ، ويجعلني انحاز إلى صوت الأغلبية المنادية بسرعة تكوين النقابات المنتخبة ، وال ( نشوف اخرتا) .
مع إنحيازي لهذا الخيار ، أحب ان اوضح ان انتخابات النقابات في ظل الفترة الانتقالية الحالية التي يمثل فيها تجمع المهنيين حاضنة حكومية ، وفي ظل تصعيد الكوادر النقابية المنتخبة إلى مكاتب تجمع المهنيين الشريك في السلطة الحاكمة ، هذا الوضع الغريب الذي سينشأ للنقابات يستوجب منا نسيان شيء اسمه ( النقابة ) ، والقبول بهجين جديد نقابي/سياسي يمارس العمل النقابي والسياسي في نفس الوقت، ويحول النقابات إلى أجسام سياسية لا يمكنها اخلاقيا القيام بدورها النقابي في حماية حقوق عضويتها امام الجهات التنفيذية وذلك لأن هذه الجهات التنفيذية هي النقابة نفسها ولكن في ثوب سياسي . هذا الإشكال لا يراه الناس الآن ولكنهم فور انتخاب النقابات وبداية ممارستها العمل سيشاهدونه بحذافيره، وتذكروا وقتها هذا المقال.
sondy25@gmail.com