اعذرونا إذا كثر حديثنا عن حزب الأمة هذه الاأيام .. لأن مواقف هذا الحزب العريق أصبحت غير واضحة وغير منسجمة مع متطلبات الفترة الحرجة التي يمر بها الوطن .
وفي محاولة جديدة لقراءة أخرى لموقف حزب الأمة .. دعونا هذه المرة نستصحب تصريحات الأمين العام للحزب السيد الواثق البرير، الذي أكد استمرار تجميد نشاط حزبه داخل قوى الحرية والتغيير؛ وذلك لأن قوى الحرية والتغيير لم تستجب للطرح المقدم من حزبه لتأسيس عقد اجتماعي؛ ليكون بديلاً للمصفوفة التي تم التوقيع عليها من كل المكونات (ومن ضمنهم حزب الأمة !)، وختم البرير تصريحه قائلاً: “الحزب سيخاطب مكونات السلطة المدنية والعسكرية حتى يتسنى لنا تحقيق الإجماع المنشود لتأسيس عقد اجتماعي جديد اأو التحول إلى الخيار الشعبي الديمقراطي”.
إذن حزب الأمة ورقه أصبح مكشوفاً إلا لمن في عينيه رمد .. الحزب بالواضح يقول: إما أن تقبلوا بالعقد الاجتماعي الذي طرحناه لكم أو سنلجأ للانتخابات المبكرة، وإنهاء الفترة الانتقالية قبل موعدها المحدد.. هل هناك اأي تفسير آخر لكلام السيد البرير غير الذي قلته؟!
والسؤال هنا: لماذا يريد السيد الصادق اللجوء إلى الانتخابات المبكرة، وإنهاء الفترة الانتقالية قبل موعدها؟
يبدو أن الزيارات التي قام بها الإمام لبعض الولايات أعطته أملاً كاذباً في اكتساح اي انتخابات مقبلة، وحقيقة إذا اعتمد على ذلك، فتلك قراءة خاطئة جدا للمشهد السياسي، ورغم أن الزيارات نفسها لم تكن ناجحة للدرجة التي يمكن أن يبني عليها الحزب أي قراءة مستقبلية لثقله الجماهيري.
ولعل الجميع تابع ما صاحب هذه الزيارات في إقليم دارفور، الذي كان معقلاً من معاقل حزب الأمة في السابق، أما اليوم فجماهير دارفور وقفت ضد الحزب بشكل واضح لا جدال فيه.
وإذا كان الإمام يعتمد على نتائج آخر انتخابات ديمقراطية، فتلك أيضاً نظرة خاطئة جداً .. وخلال اكثر من ثلاثين عاما من آخر انتخابات، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ولا أعتقد أن الإمام الصادق لا يعلم أن الذين سيصوتون اليوم في صناديق الاقتراع كانوا أجنة في بطون أمهاتهم عندما فاز حزبه، أو في احسن الاحوال كانوا اطفالاً في الروضة أو الخلوة.
ومازال السؤال قائماً: على ماذا يراهن حزب الأمة؟ اذا كان يراهن على الجبهة الثورية .. يصبح أيضا رهاناً خاسراً. هو يعلم أن قصة تعيين الولاة المدنيين قاب قوسين او أدنى، وستتفق الجبهة الثورية مع الحكومة الانتقالية وشخصياً أرى أن الشروط التي وضعتها الجبهة كشرط لقبول التعيين هي شروط جيدة جداً، وستجد القبول من الجميع.
وبالتالي هذا سيزيد الشقة بين الجبهة الثورية وحزب الأمة، وهذا متوقع بنسبة كبيرة وسترون ذلك قريباً.
ومازال السؤال قائماً: على ماذا يراهن حزب الأمة؟ إذا كان يراهن على الشق العسكري في مجلس السيادة .. أيضاً أرى ذلك رهاناً خاسراً بكل تأكيد خاصة بعد الانسجام الذي حدث في لجنة الطواريء الاقتصادية بين حميدتي وحمدوك خصوصاً بعد مغادرة الدكتورة مريم الصادق المهدي لمنصبها في اللجنة الاقتصادية والنجاحات الواضحة التي حققتها اللجنة.
ومازال السؤال قائماً .. هل يراهن حزب الأمة على لجان المقاومة مثلاً ؟ هذه اللجان تعلم علم اليقين أنها الحارس الامين لهذه الثورة، وأنها تقف في خندق واحد من قوى الحرية والتغيير، ولن تفرط هذه اللجان في العلاقة الثورية التي تربطها مع قوى الحرية والحكومة الانتقالية .
إذن على ماذا يراهن حزب الأمة ؟ ووالله أخشى أن أقولها، وأنا على ثقة أن كل من تابع كلامي فهم ما الذي أود أن أقوله … أنا لن أفسر، وعلى ثقة أنكم لن تقصروا في فهم مرادي .
رغم كل ما قلته أنا من الذي برددون دائماً أن وجود حزب الأمة في المشهد السياسي خلال الفترة الانتقالية ضرورة تجبرنا عليها الظروف الموضوعية التي تمرّ بها بلادنا، وأتمنى من قادة حزب الأمة مراجعة مواقفهم مرة أخرى، ويعيدوا قراءة الواقع، ويقدموا النصح الأمين للسيد الصادق بأن خطوة حزب الامة بمفارقة قوى الحرية والتغيير هي قفزة في المجهول، وقفزة في الظلام الدامس، وأن يذكروه أيضاً أن حزب الأمة عندما وقع وثيقة تجمع قوى الحرية والتغيير لم يوقعه باسم حزب الأمة، انما وقعه تحت كتلة نداء السودان، وهذا يعني أن ينسحب أولاً من نداء السودان أو الحل الثاني أن تقنع نداء السودان ككتلة كاملة بالانسحاب من الوثيقة .
اللهم بلغت … اللهم فاشهد