المحاكاة والتقليد بالاستنساخ وإعادة إنتاج ملكية الاآخر ظواهر تاريخية ومعاصرة لمسلك عقلي سوداني حصرى يبدأ من التاجر الذي يفتح بقالة ليتفاجأ في اليوم التالي ببقالة جديدة قد تم فتحها في مواجهة بقالت، وبالمحتويات ذاتها.
اختيار سهل ومطروق وجدته مقدمة البرامج سلمى سيد في برنامجها الرمضاني ( فن زمان )، الذي تبثه قناة السودان هذه الأيام .
لا أدري ما هو الجديد الذي أتت به فكرة البرنامج؟ انها فكرة يشتغل عليها منذ سنوات احد أساطين الحكي والسرد والحفظ لسيرة الفن السوداني الأستاذ السر قدور بحكم المعاصرة والتجربة المعاشة له مع من يتناول سيرهم الغنائية بقناة اخرى، وقد وصل الى خاتمة متعته في هذا العام، وأصبح ما يقدمه وبالمقارنة مع مرحلة شباب البرنامج طارداً.
سلمى التي شاهدناها في عدد من الرمضانات بقناة الشروق وهي تستضيف عمالقة الغناء كوردي، وبن البادية، ومحمد الأمين ولأسباب لا نعلمها تخلت عن فكرتها تلك في الاستضافة للمفرد الرمز من المغنيين، وقفزت الى بيت فكرة السر قدور في برنامجه أغاني وأغاني.
تقوم الفكرة على فتح السيرة الإبداعية الغنائية لأحد المغنيين، واستضافة مفاتيح إضاءة لها من أصدقاء مقربين ومتابعين لصيقين للتجربة مع نفر معلوم من المغنيين المقلدين.
ألم نشاهد من قبل حلقات خصصها قدور للفنانين حمد المصطفي، وزيدان إبراهيم، وهاشم ميرغني، وغيرهم ممن أعادت معالجة سيرهم سلمى، ومع الشهود والمغنين أنفسهم؟ ألم نضطر وللمرة الألف إلى الاستماع والمشاهدة للتيجاني حاج موسى، وهو يحكي عن علاقته بزيدان، وان زيدان قد غنى له، وهو لا يزال طالبًا بالثانوية؟
كان التيجاني قد أجبرنا وفي أحوال القهر السياسي والمنع من التعبير ان نستمع له مغنياً بصوت نشاز لأغاني كتب كلماتها وغناها زيدان ؟
نحمد الله أن نجونا هذه المرة ( مع سلمى ) من الاستماع للتيحاني في قصر شوقه، ومن باب ريدته. أعود لأسال او ليست فكرة برنامج (فن زمان) هذه هي فكرة السر قدور بلحمها وشحمها؟
أليس هذا تعديًا صريحًا على حقوق الملكية الفكرية لفكرة (أغاني وأغاني) مع الفارق النوعي و الضخم في إمكانيات التقديم و المعلومات والفنيات ؟ مثلي مثل غيري لست أعلم كيف جاز حدوث إجازة فكرة ذلك البرنامج؟
أخاطب لقمان الذي جاء من تجربة مهنية غنية دائما ما تفحص جيداً الأفكار المقدمة للإنتاج الداخلي أو الخارجي للبرامج، وتشترط في مقدمة اشتراطاتها ألا تكون فكرة مطروقة أو مكررة احترامًا للمشاهد قبل القناة.
يا سادتي من حق أي شخص التقدم بفكرة برنامج يظن أنها جديدة، ولكن للجهاز أن تكون له نظرته ومعياريته في الفحص لها واعتبارها على ما اعتقد صاحبها ام غير ذلك. اللوم هنا لا يقع على مقدم الفكرة بقدر ما يقع على إدارة القناة التي سمحت بعرض البرنامج.
هنا مرة أخرى أسأل عن السبب الذي أجاز مثل هذا الفعل القاسي الثقيل على النفس، الذي لا يسمى بالاستعارة ولا بالاقتباس، ولكن بالنقل الذي تشرحه لغة الكومبيرتر بالـ (كوبي اند بيست)، أي قصّ ولصق.
إن من حق المشاهد في ظروف ما بعد الثورة وانتهاء ( زمن الغتغتة ) أن يسال: أين هو غناء الحاضر؟ ولماذا يتم سجن الشباب والشابات من الأجيال الجديدة في غناء الماضي؟ ولماذا لا تشجع إدارات القنوات ما بعد التغيير على تقديم الغناء الجديد الذي ظهر أثناء وما بعد الثورة بعد أن أظهر الشباب قدرات و أساليب خاصة بتجربتهم الثقافية وكسبهم الموسيقي والغنائي ؟
أين الغناء الجديد الذي ننتظره للتعرف إلى قسمات وملامح المغنيين الجدد وقدراتهم؟ (فن زمان) في تقديري تسمية تعوزها الدقة إذ تختزل الفنون كما هي العادة الإعلامية التاريخية الضارة في الغناء وهو ليس كل الفن . إنها تسمي المغني فنانًا، وهو ليس كل الفنانين، وإنما هو مغنٍ، غالبا قد لا يكون وصل الى مرحلة الفن بما فيها من إجادة، وبراعة، وحذق، وليست مجرد قدرات في التقليد والمحاكاة .
نحتاج وفيما يبدو إلى لجان تفكيك متخصصة، كذلك، تشتغل على أسباب هدر المال الحكومي، الذي هو من مال الشعب أيضاً لفهم اتجاهات وأسباب صرفه فيما لا يستحق، حتى ولو كان الإنتاج خارجيًا، وعظيم الرعاية من بنوك ومؤسسات اخرى، أو مسوغ اخر سيقول ان التلفزيون لم يخسر كثيراً في تكلفة البرنامج. نعم قد يكون ذلك صحيحاً ولكن خسر التلفزيون كثيرا في تكلفة محتوى البرنامج المكرر الرتيب.