تناول المحلل السياسي محمد جميل أحمد تسجيلاً صوتياً وصله عبر واتساب، وحاول تحليل محتواه، الذي يشير إلى جهات أجنبية وإسلاميين، وغير ذلك من حديث يثير القلق ويستحق الاهتمام.
قال جميل: “وصلني قبل قليل تسجيل صوتي عبر واتساب.. لهجة صاحبه لهجة بجاوية تبداوية ظاهرة، وصاحب التسجيل يصف نفسه أنه موجود في بورتسودان (عرفت فيما بعد من صديقين أثق فيهما أن صاحب التسجيل شخص اسمه: كرار عسكر) ويتحدث في التسجيل مع شخص اسمه الرشيد يبدو أنه مسؤول حكومي ويصفه بأنه قيادة من قيادات جبال النوبة. كما يظهر من التسجيل أنه تم في يوم القلد الذي تم بين النوبة والبني عامر في الإفطار الجماعي الذي نظمته حكومة كسلا للصلح.
واضاف: “يصف صاحب التسجيل بداية الأحداث بين البني عامر والنوبة؛ أنها كانت في صالح النوبة، بما يوحي أنه كان يريدها أن تستمر (وكأن الذين أججوا الفتنة كانوا أبرياء يدافعون عن أنفسهم) ولكنه يعود فيحذر النوبة ويصف الصلح الذي لم يتم، بأنه ليس فيه خير، وبأن اليوم التالي للصلح لن يكون في صالح النوبة وأن المعادلة ستنقلب ضد النوبة؛ لأن هناك تحركات لمجموعات الجهاد االإرتري على مستوى المنطقة كلها (أي منطقة) والجهاد الإسلامي؛ كلها تحركت نحو كسلا وتم جمع الأموال والأسلحة وتحركت إلى كسلا. وأن هذا الأمر لا يبشر بخير وفيه تهديدات كبيرة وفيه تهديد للنوبة”.
ومضى جميل قائلاً: “وقال -صاحب التسجيل- إن بني عامر والحباب طلبوا اخراج النوبة من أحيائهم ووصف مطلب البني عامر بأنه مطلب عنصري وقال أن الأرض ليست أرض بني عامر وإنما أرض هدندوة وأن هذا المطلب سيترتب عليه تغيير ديمغرافي واستهداف عرقي. وهو يحض هذا الشخص من أبناء النوبة المسمى الرشيد أن يرتبوا أمورهم على أعلى المستويات وأنه سيتابع معهم ويقول لهم أن الأيام القادمة أياماً صعبة على النوبة، ويوصي النوبة عبر رسالته لهذا الشخص المسمى الرشيد بأن يكونوا متابعين ويقول أن هذا التحرك للجهاد الإسلامي الإرتري (ويقصد البني عامر والحباب الذين هبوا للدفاع عن أنفسهم) هو من تدبير الإسلام السياسي وفيه مجموعات إماراتية وتمويل قطري وأنه ليس تحرك قبائل، ثم يقول أنه (أي صاحب التسجيل) موجود في بورتسودان ومتابع وهو موجود بين المقاتلين القدامى من البجا. ويختم كلامه بأن هذا التدبير هو تدبير مجموعات إسلامية على مستوى المنطقة. إلخ”.
ووضع جميل تحليل لمحتوى هذا التسجيل جاء على النحو الآتي:
أولاً ، حين يتحدث صاحب التسجيل لشخص يصفه بمسؤول، فهذا يعني أنه ربما يتواصل مع جهة حكومية، ولا نعرف ما إذا كانت هذه الجهة الحكومية هي حكومة البحر الأحمر أم كسلا، ولكنه واضح أن صاحب التسجيل يطلب تدخل الحكومة، المريب في الأمر أن صاحب التسجيل يطلب من هذا المسؤول أن يتدخل لصالح أهله النوبة. وإذا صح أن هذا المسؤول الذي يخاطبه صاحب التسجيل هو فعلاً مسؤول حكومي(وهو ما سنتحقق منه) فإن أقل ما يقال عن هذا الكلام هو تحريض خبيث على الفتنة وسفك الدماء بصورة واضحة. إذ كيف نفهم أن يتحدث مواطن لمسؤول من مكون معين ويطلب من هذا المسؤول الحكومي أن يقف إلى صف أهله بصفته الاعتبارية الحكومية ضد مكون آخر؟ثانياً، حين يقول صاحب التسجيل أن الأمر في بدايته كان في صالح النوبة، لكنه بعد ذلك ستنقلب المعادلة لصالح البني عامر مع التشديد على النوبة عبر هذا المسؤول لأخذ حذرهم وترتيب أمورهم، فهذا أيضاً ميل واضح من صاحب التسجيل وتعبير مباشر عن اصطفافه مع النوبة وبما أن صاحب التسجيل من مكون آخر من مكونات شرق السودان غير النوبة والبني عامر فهذا تحريض واضح على الفتنة وسفك الدماء. ثالثاً، صاحب التسجيل لم يشر من قريب أو بعيد إلى اللجنة الأمنية والأمن الشعبي وفلول نظام الإنقاذ البائد لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كنا نعلم علم اليقين أن أصدق توصيف لما حدث في كسلا (وفي بورتسودان من قبل) أنه فتنة، فذلك يعني أن الطرفين تم الزج بهما في هذا الفتنة من قبل طرف ثالث. وإذا كان الجميع يكاد يعرف أن هذا الطرف الثالث هو فلول وحلفاء نظام البشير فلماذا لم يفتح الله على صاحب التسجيل بكلمة عن هؤلاء المجرمين؟ وماذا نفهم من هذا؟ رابعاً، صاحب التسجيل لا يتحدث عن الطرف الثاني المواجه للنوبة كبني عامر وحباب اضطروا للدفاع عن أنفسهم وقتل منهم 9 قتيل أغلبهم أمام بيوتهم، وإنما يتحدث عن المجاهدين الإرتريين الذين تحركوا إلى كسلا (تحركوا من أين؟) وأن الأموال والأسلحة تحركت إلى كسلا (أيضاً من أين؟) ويصف أن تحرك هؤلاء المجاهدين الإرتريين والمجاهدين الإسلاميين (ولا ندري ما إذا كان الأخيرين محليين أم إرتريين ايضاً) هو تحرك على مستوى المنطقة (أي منطقة) وأن القطريين والإماراتيين لهم دور فيه. ومن المعروف أن سياستي قطر والإمارات متناقضتان فكيف يستقيم الفهم مع مثل هذا التناقض في سياستي البلدين الخليجيين دعماً لمكون وأحد.خامساً، يتكلم صاحب التسجيل على أن الأرض التي فيها أحياء بني عامر والنوبة أنها أرض هدندوة، ويفسر طلب بني عامر بابتعاد سكن النوبة عنهم من أجل عدم تجدد الاحتكاكات مستقبلاً (وربما لأن حي مكرام ـ الذي يسكنه بنو عامرـ حي مخطط وحي كادوقلي غير مخطط بحسب ماسمعت) يفسر كل ذلك بأنه تغيير ديمغرافي واستهداف عرقي وعنصري! لو تأملنا في هذا الكلام الفطير والمغرض كيف يكون هذا الطلب استهدافاً عرقياً؟ ثم ما دخل نظارة الهدندوة في مدينة قومية مثل مدينة كسلا يحق لكل مواطن التملك فيها.سادساً: في نهاية المقطع الصوتي يتحدث صاحب التسجيل بأنه في بورتسودان وبين مقاتلين قدماء من البجا، بطريقة تعكس استعدادا حربياً وتضامنياً مع النوبة وهو مؤشر على نوايا غير سليمة ويرسل إشارات خاطئة إلى النوبة، ويضمر في الوقت نفسه كما لو أن هناك أمراً ما سيحدث في شرق السودان من طرف المقاتلين الذين ذكرهم في المقطع. واضح جدا ممن تم وصفه بأنه نشاط في منسقية شباب الثورة ببورتسودان أنه يضمر وعياً قبائلياً مشوشاً ويفسر الأمور والأحداث بطريقة لا تعكس إلا أفقاً ضيقاً وهو بطبيعة الحال عينة واضحة لشخص يرى الهوية المواطنية في شرق السودان بعين لا ترى في بني عامر والحباب شركاء مواطنة وأصحاب أرض أصليين في الشرق وهذا للأسف خطاب مأزوم ولا ينتج إلا الكراهية. وإذا ما تم تصعيد هذا الخطاب من أمثال ممن يوصفون بأنهم ناشطون وأعضاء في تنسيقيات الثورة؛ إذا كيف سيكون حال الآخرين ممن يتم شحنهم بمثل هذا الخطاب من عامة البجا؟. وفي تقديرنا أن شيطنة بني عامر والحباب ووصفهم بأنهم إرتريين في الجملة، وليسوا أصحاب أرض؛ فيما الجميع في شرق السودان يعرف أن بني عامر والحباب هم أحب الناس في شرق السودان للسلام والطيبة والوداعة (وسيخون ضميره من قال عكس ذلك في وصفهم). وكذلك أبناء النوبة المتسامحون؛ نقول أن هذه الشيطنة لأناس لا تستوي الشيطنة نعتاً لهم في جملتهم؛ ستكون عواقبها وخيمة جداً وإذا انفجر الشرق، لا سمح الله، ولن ينفجر إلا اذا انقطع حبل صبر بني عامر والحباب الطويييييل في مداراة الأذى – ليس خوفاً بل لتحمل طبعوا عليه- فإنه حينئذ لن تخمد حرائق هذا الشرق إلى الأبد. ونخشى أن تكون بوادر كهذه قد بدرت من قبل البعض ، ونرجو أن يكون ظننا في غير محله. لأن من يصبر صبراً عزيزاً طويلاً ويتحمل حملاً ثقيلاً إذا خاب رجائه وطال صبره ويئس من الانصاف فإن عواقب تمرده ستكون وخيمة. سابعاً لكل العقلاء واصحاب الضمير الوطني والناشطين والمهتمين بالشأن العام من أبناء البداويت في شرق السودان. نحن شركاء في هذا الشرق وشركاء في تاريخه وفي مصاهراته وآماله وأوجاعه وشركاء في أرض البجا، وفينا من يؤمنون بوحدة البجا والسعي من أجل نهضتهم (وأنا منهم).. لكل ذلك نتمنى إدانة مثل هذا الخطاب، لأن هذا الخطاب المليء بمعلومات من غير سند ولا دليل يعكس تأزيماً ويؤجج العداوة بين مكونات الشرق ويؤسس لفصل خطير من العنف والعنف المضاد بين مكونات الشرق. ثامناً لن يمر هذا الخطاب من أي مهتم بالشأن العام وبخاصة أبناء بني عامر والحباب المستنيرين والوطنيين دون إدانة ومواجهة وتفنيد تناقضاته وتهافته وغبائه وما يضمره من اقصاء مريض يعكس أزمة كراهية الذات البجاوية، لن يمر هذا الخطاب الذي يكرس لإراقة الدماء والفتنة وتأجيج الصراعات في إقليم تحالف عليه الجهل والمرض والفقر، دون أن يكون هناك إدانة له وتفنيد في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى التقاضي القانوني، لأن ذلك وحده هو الكفيل لحفظ حقوق الجميع بطريقة حضارية تحسم فوضى التصريحات غير المسؤولة. تاسعاً أهمية تحليلنا لهذا المقطع الصوتي في هذا الوقت بالذات الذي تسيل فيه دماء الأبرياء نعتقد أنها ضرورة لتفنيد خطابه في سياق وضع محتقن وقابل للانفجار في أكثر من مدينة بشرق السودان وللأسف كل مدن شرق السودان (بورتسودان – كسلا – القضارف – هشم القربة) تم فيها تأجيج الفتنة بين مكوني النوبة والبني عامر من قبل قوى الثورة المضادة وفلول النظام السابق وحلفائه من أصحاب المصالح الرخيصة. لاسيما وأنه حتى الآن لم تتم محاكمة المجرمين الذين تسببوا في فتنة الاقتتال الأهلي في بورتسودان ولازال أغلبهم طلقاء. ومالم يتم محاكمة كل مجرم ولغ في دماء الأبرياء فسوف تتجدد الفتن لامحالة. عاشراً نرجو من عقلاء النوبة وشركاءنا في الوطن الإعراض عن مثل هذا الخطاب الذي جاء في هذا المقطع الصوتي والابتعاد عن الرسائل المفخخة التي يضمرها والاشارات النوايا الخطيرة التي يبعث بها ففي ذلك حقن للدماء وحفظ لأمن الجميع. وتفويت لأهداف ومخططات أعداء الله الكيزان الذين فجروا هذا الفتنة بعد يوم واحد من قرارات وقوانين حاسمة للجنة إزالة التمكين بهدف النجاة بجلودهم واحراق الأبرياء بزعزعة الاستقرار والنسيج المجتمعي والسلم الأهلي في هذا الشرق الذي يسعنا جميعاً للعيش فيه بأمان. وأخيراً كاتب هذه السطور يدرك تماماً أن هذه الثورة السودانية العظيمة بالغة أجلها وأن هذا المخاض الذي ينعكس في الاضطراب الذي يعقب سقوط الأنظمة الديكتاتورية مثل نظام الكيزان، لاسيما في الهوامش الرخوة والأقاليم الفقيرة أمر لابد منه في كل الثورات. وأن استمرار الثورة ونجاحها ينهض بالأساس على محاكمة الفاسدين ومثيري الفتن والعنصريين طال الزمن أم قصر.