قبل انطلاقة ثورة ديسمبر كانت هناك تحالفات واضحة في الحكم و المعارضة، تحالف النظام المخلوع ويضم الحركة الإسلامية بشقيها المؤتمر الوطني والشعبي ،الحزب الاتحادي الأصل بسجادته الختمية بالإضافة إلى بعض حركات دارفور و بعض الأحزاب السياسية الاخرى صغيرة الوزن . المعارضة كانت تنقسم إلى تحالفين ، تحالف نداء السودان ، يضم حزب الأمة القومي ،حزب المؤتمر السوداني ،الجبهة الثورية ومكونات أخرى، تحالف الإجماع الوطني ،يضم الحزب الشيوعي ،حزب البعث ومكونات اخرى، بينما كانت هناك حركات مسلحة معارضة خارج هذه التحالفات هي الحركة الشعبية جناح الحلو و حركة عبدالواحد محمد نور .
تحالف النظام كان تحالف مصالح ، لذلك حين هوى النظام وسقط تفرقت من حوله الأحزاب والمكونات وأسرعت تخطب ود الثورة ، بينما صارت التحالفات المعارضة تحالفا حاكما.
تحالفات المعارضة قبل سقوط الانقاذ كانت على خلاف واضح للعيان ، كان من الصعوبة بمكان أن ينضم تحالف بمحض ارادته لتحالف آخر اذا قاد أحدها الثورة ، و لكن قيادة تجمع المهنيين للثورة سهل عليهم الالتقاء تحت عباءته والتنسيق عبره لتشكيل قيادة موحدة للثورة أطلق عليها تحالف قوى اعلان الحرية والتغيير .
طيلة فترة الثورة حافظ الجميع على مواقعهم سواء تحالف حكومي او تحالف معارضة ، سوى أحزاب وكيانات صغيرة قفزت من مركب النظام حين رأت قوة الشارع ، ولكنها من ضألتها لم تزد المعارضة ولم تنقص النظام ، و ظل الحال هكذا حتى سقط النظام .
بعد سقوط النظام وحدوث تداعيات فض الاعتصام ومن ثم ماراثون المفاوضات والوصول إلى الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية ظهر واقع جديد للتحالفات، تصدره التحالف بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري ، واصبح هو التحالف الحاكم ، بينما تحولت الأحزاب التي سقطت مع الإنقاذ مثل المؤتمر الشعبي إلى خانة المعارضة .
مضت الآن تسعة أشهر على قيام تحالف الحرية والتغيير والعسكر الحاكم ، وكان الآمل ان ينقل هذا التحالف البلاد نحو آفاق السلام والعدالة والرفاهية، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، اتفق على توقيع اتفاق السلام قبل نهاية ديسمبر من العام الماضي ولم يحدث ، بل لم يحدث حتى الآن ولا يعلم احد متى يتم توقيع هذا الاتفاق مع انه اتفاق مع مكون واحد هو الجبهة الثورية وهي احد عضوية قوى الحرية والتغيير ، بينما لا يزال مسار التفاوض مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو مجمدا وما يزال التفاوض حول السلام مع حركة عبدالواحد محمد نور مجمدا ويحتاج المسارين لاختراق حقيقي . من كل ذلك يبدو ليس عيبا التسليم بأن هذا الملف شهد فشلا ذريعا وان هناك حوجة عاجلة لإعادة تقييم عملية السلام برمتها .
لا يواجه التحالف الحاكم اي معارضة خارجية تذكر، فالإسلاميين مرفوضين من الشارع ، ولكنه يواجه أزمات داخلية تجعل من العسير عليه أن يواصل المضي بالدولة بهذا الشكل ، هناك حوجة عاجلة لإعادة تقييم أداء التحالف الحاكم ، فهو ليس بخير ، والملفات الحرجة جميعها تشهد فشلا ذريعا ، السلام ، محاكمة رموز النظام السابق ، العملة والاسعار ، كورونا وادراتها السيئة جدا من قبل وزارة الصحة ، أضف إلى ذلك أن العلاقة بين مكونات التحالف نفسه مازالت بعيدة عن مرحلة الثقة والإيمان الكامل بالعمل المشترك مدنيين وعسكر من جهة ، ومدنيين ومدنيين من جهة أخرى، ولا أدل على ذلك من الاتهامات التي تنطلق من الشارع بلا أدلة للمكون العسكري ، والانشقاق الذي حدث في تجمع المهنيين نتيجة سيطرة جهة حزبية واحدة عليه ، إضافة إلى تجميد حزب الأمة القومي لنشاطه داخل قوى الحرية والتغيير.
لا يحتاج أي عاقل لأدلة أكثر من الواقع الراهن على المأزق الذي نعيشه في أعقاب الثورة، حتى المصفوفة التي أصدرتها الأجسام الثلاثة تجاوزها الزمن ولم ينجز منها شيئا يذكر في توقيته . لذلك لابد من نقد الذات لابد من جلدها ان كنا نريد إصلاح هذا الواقع وتغييره ، وفي ذلك كل الاحترام للاحزاب السياسية التي صدعت بهذا داخل الحرية والتغيير وكلفها هذا ما كلف حتى اضطرت إلى تجميد عضويتها فيه ، لا طمعا ولا رغبة ولا رهبة وإنما إيمانا بأن هذا الفشل لا يمكن أن يستمر ، وبأن هذا الشعب يستحق أفضل من ذلك .
sondy25@gmail.com