نقلت قناة الجزيرة القطرية صلاة التهجد من أحد المنازل بالخرطوم، وذكرت أن الإمام هو القارئ نور الدائم الأمين، واستمرت الصلاة وقتاً طويلاً، والجزيرة موجهة قناتيها المباشرتين صوب المنزل الذي يبدو فخيماً.السؤال: ما الرسالة الإعلامية التي أدتها الجزيرة بهذا النقل المباشر، الذي يكلف الشيء الفلاني بالدولار؟ هل أرادت خدمة دين الله، ونشر الإسلام؟ أم أرادت كسر هيبة الدولة السودانية، وهي تخرج لها لسانها، وتعين مواطنيها على عصيان أوامرها المبنية على مصالح عليا، وهي الحفاظ على صحة إنسانها، وصون البلاد من جائحة لا ترحم؟
بالطبع هي الثانية، فهذه القناة بتصرفها هذا تخالف أخلاقيات الإعلام، التي في مقدمتها احترام قوانين البلد المضيف، خصوصاً إذا كانت المصلحة واضحة فيها، فهي هنا لا تنقل مظاهرة في كفر طهرمس بمصر تريد بها أن تقول إن الإخوان لا يزال لهم صوت في الحارة المصرية، كما أنها لا تنقل حدثاً تكيد به إحدى شقيقاتها الخليجيات، ولكنها تنقل حدثاً يخالف أوامر الدولة التي تستضيفها، ورصد مثل هذا الحدث ونقله يتطلبان اتصالات وترتيبات بين القائم بالحدث وهو صاحب المنزل والقائم بالنقل أي قناة الجزيرة.
وهذه الجرأة التي واتت الجزيرة وهي تقوم بعملها غير الأخلاقي، وواتت المواطن السوداني الذي ضرب بتوجيهات الدولة عرض الحائط سببها تقاعس الدولة، وفقدانها الهيبة التي ترغم بها كل من على أرض السودان من مواطنين وأجانب باحترام قوانينها وأنظمتها، مهما كلف الأمر.
ودعوني أقارن بين هذا التخاذل من دولتنا في بسط هيبتها، وذلك الحزم الذي تتعامل به دولة مثل السعودية في فرض هيبة الدولة، وتطبيق الإجراءات الاحترازية الخاصة بمواجهة فيروس كورونا بكل شدة وحزم، وأسوق هنا ذلك المثال الصارخ المتمثل في تغريمها سودانيين تجمعوا في بيت عزاء، متجاوزين التعليمات، وقد تداولت الحدث الأسافير، وعبر كثيرون عن تقديرهم للحزم الذي يجري التعامل به مع كارثة حقيقية نلمس نتائجها في حجم الإصابات، وتصاعد أعداد الوفيات.
والآن على الدولة السودانية ولا أحدد سلطة فيها فحسب، وإنما الدولة بكامل صولجانها، عليها أن تتحرك نحو اتخاذ إجراءات حازمة تجاه القناة ومراسليها، وتجاه صاحب المنزل الذي حوّل بيته إلى مسجد، متحديّاً الإجراءات الاحترازية، ومقوضاً جهوداً مضنية تقوم به وزارة الصحة بقيادة وزيرها الدكتور أكرم التوم الذي تتناوشه السهام، كأن بيده عصا سحرية.
ولا أشك أبداً في أن صاحب هذا المنزل الفخيم هو أحد فلول النظام البائد، وأحد الحريصين على أن تبدو الدولة السودانية ضعيفة، وإلا فما سر هذا التحدي السافر لها، لا بأداء الصلاة في جماعة، وإنما أيضاً بحرصه على بثها عبر شاشة الجزيرة الواسعة الانتشار.ولا أعتقد أن الوصول إلى صاحب المنزل والمصلين والإمام بالأمر الصعب، وأول ما ينبغي فعله وضعهم جميعاً في الحجر الصحي، ثم تغريمهم بالغرامات المنصوصة في النظام، ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ لأنه إذا لم يأت رد فعل الدولة السودانية على النحو الذي يناسب الفعل، فعلينا أن نتوقع كثيراً من الممارسات المماثلة، لتذهب جهودها في النهاية أدراج الرياح، ولتعم الجائحة البلاد، لنصبح مضرب المثل، والمحطة الأهم التي ستؤرخ بها هذه الجائحة.
وفي السياق ذاته، يمكن الإشارة إلى جرأة عثمان ذوالنون الذي وصل إلى سنار بعدته وعتاده، متحديّاً الطوق الأمني المفروض، الذي يمنع السفر بين الأقاليم، وبدلاً من البحث عن مكمن المشكلة، فإذا بالأضواء تتسلط على من واجهوه من الشباب، من دون سؤال عما قاده إلى سنار.
وتتوجه السهام هنا مباشرة إلى لجان المقاومة، في محاولة لوصمها بكل ما هو قبيح، في حين أنها كانت رأس الرمح في الثورة السودانية، وهي ظهير الدولة في تأمين الشارع، وملامسة مشكلاته، والمشاركة في حلها، وأثبتت الضائقات التي مرّت بها البلاد دور هذه اللجان المقدر في مواجهتها، وتخفيف آثارها، ومن بينها ضائقة كورونا.
إن الظهور بمظهر المترفع عن الممارسات الإعلامية السالبة، وعن نجوم اللايفات الذين يمارسون عنفاً لفظيّاً غير معهود في المجتمع السوداني سيقود إلى مزيد من التجروء، وإلى مزيد من فقدان الدولة هيبتها وسيطرتها على الأمور، وإلى مزيد من التجاوزات، التي تصل إلى حد العنف الجسدي الذي مورس مع ذو النون.