اجتياح فايروس كورونا المستجد (كوفيد19) للعالم غيَّر مفاهيم الناس وسلوكياتهم لا سيما الصحيِّة منها، وبدأ الحذر يدب في النفوس، وبات الناسُ أكثر حرصاً أثناء القيام بتجهيزاتهم المنزلية، وأنشطتهم الاجتماعية وحتى أثناء أداء العمل وقضاء الاحتياجات الأخرى من معاملات بنكية أو حكومية أو تسوّق وخلافه.. وبكل تأكيد فإن العالم سيشهد اختلافاً كبيراً بعد تفشّي كورونا وستسود ثقافة “الوقاية خير من العلاج” في المستقبل القريب لا سيما في الأسفار والترحال والمناسبات الاجتماعية.
موجات الغضب العارمة التي تجتاح دواخلنا في أوقاتٍ يكون الفرح والبِشْر هو الأقرب إلى نفوسنا، سببها ذكرياتٍ أليمة يصادف موعدها تلك المناسبات، كل هذه المتناقضات تجعل المرء فينا يصارع لإحداث التوازن النفسي وإعطاء كلّ إحساسٍ حقّه رغم صعوبة ذلك، ففرحة العيد وفرحة الصائم بفطره بعد صيامٍ وقيامٍ وذِكْرٍ وتقرُّب هي الأَولىٰ والأحق.. ولكن فظائع فض الاعتصام في التاسع والعشرين من رمضان 1440هـ ومجزرة القيادة وتعذيب واغتصاب وقتل الثوّار المعتصمين السلميين الصائمين، وحرق خيامهم في عدوانٍ سافرٍ ووحشية لا تمت للإنسانية أو الدين بشئٍ، ومن ثمَّ التمثيل بجثثهم والقذف بها في قاع النيل بعد ربطها بالحجارة، والكتل الأسمنتية تجاوز كل المحرمات، وفاق كل التصورات، وجعل تلك الأحداث كابوساً لا يفارقنا.
وما يدمي الأفئدة، ويؤرّق المضاجع أن يحول الحول على عملٍ بهذه الوحشية تم التخطيط له، وتنفيذه على مرأي ومسمع من العالم كله. وقد تم توثيق جانب كبير منه بالفيديو، وشوهد من قاموا بتنفيذه، والسيارات التي حملتهم إلى المكان، والسائقون والجنود والضباط.. ولم يكن هنالك تحقيق شفاف يفضي إلى الوصول للجهة التي أمرت بإعدام أولئك الأبرياء بهذه البشاعة حتى تطالها يد العدالة والقانون؟ لذلك فمطلب كل سوداني أصيل هو إلقاء القبض على تلك القيادات بأسرع وقت، والتحقيق معها وتنفيذ القصاص في كل من تثبت إدانته مهما علت رتبته العسكرية، ومهما ارتفع منصبه؟.. حينها فقط ستنطفئ تلك النيران التي نشبت في دواخلنا، وستبقى الدعوات كما بقي المجد لشهدائنا الأبرار الذين خُلّدت أسماؤهم، وغيّروا التاريخ بإشعالهم جذوة الثورة في عموم أهل السودان بعد تلك المجزرة البغيضة لتسقط حكومة الإنقاذ البائدة بكل جبروتها ودمويتها منكسرة صاغرة أمام هَبّة الشعب العاصفة (ولا أسفاً عليها).
هلَّ علينا هلال شوال معلناً حلول عيد الفطر المبارك أعاده اللّٰه علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والبركات.. ورغم اختلاف هذه الطلّة العيدية عن سابقاتها قليلاً بتمنُّع شركات الطيران والنقل البحري عن نقل المسافرين لبلدانهم وقضاء أجمل أيامه بين أحضان أهلهم وأحبائهم بسبب جائحة كورونا.. اتجه معظم البشر للخيار المتاح عبر الأثير، ومن خلال البرامج الهاتفية الذكية ليسعدوا بلقاء الأهل بالصوت والصورة في عطبرة ورفاعة ومدني والحصاحيصا، فعودة لشمبات ومنها للخرطوم فأمدرمان، ويجوبوا الخليج من سلطنة عمان إلى السعودية، ويتجولوا في الإمارات بين الشارقة ودبي وعجمان والفجيرة والذيد ومنها للعين وأبوظبي، وبعرّجوا على المملكة المتحدة فالولايات الأميركية المتحدة لتبادل أطيب الأمنيات وصادق الدعوات..
والأجمل في مثل هذه الرحلات أنها تشعِرك وكأنك قد ملكت أفضل “دابة” تتنقل بها “كبساط الريح” ويكون مردود ذلك التواصل البسيط عظيماً في معناه هائلاً في أجره بصلتك لأرحامك حول العالم.. أما أسرتك الصغيرة وبقاؤك في البيت معهم لفتراتٍ أطول من المعتاد، فقد أتاح لنا (الحظر) مشكوراً فرصة التعرف على أفرادها بشكل أقرب وقمنا باكتشاف موهبة هذا ومعرفة خفة دم ذاك ولُطف وإبداعات تلك، حتى جاءت نتائج البقاء في المنزل محمودة أضفت علينا حميمية ربما لم نكن لندركها طيلة حياتنا.. وعليه فيجب أن نجعل نظرتنا إيجابية لهذه الجائحة السلبية.
مايو 2020م