واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه الفترة الانتقالية بعيداً عن الاخطاء والسلبيات هى أن غالبية الشعب السوداني غير مدرك لماهية ومفهوم الفترة الانتقالية، وصلاحيات الحكومة الانتقالية، وحدود عملها، والمطلوب منها بما فيهم من يسمون أنفسهم ناشطين أو سياسيين، وهذه مصيبة كبيرة شكلت ضغطاً لا يمكن ان يتحملها حتى حكومة منتخبة بكامل الصلاحيات، وفي اوضاع طبيعية، وليست فترة غير اعتيادية، والسبب ان دور الاعلام بكل ـشكاله ودور الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ضعيف أو غائب كلياً في التوعية السياسية.
لكن المشكلة ليست هنا. هذا امر هين وفترة مؤقتة ستنتهى بخيرها وشرها قريباً، المشكلة عندما نصل مرحلة الاستحقاق الطبيعي والديمقراطية الحقيقية اتوقع بهذه العقلية السياسية غير المدركة وغير الواعية، أننا سنواجه مشكلة كبيرة.
تخيل معي لو فاز حزب ما لنقل كمثال حزب الامة بالانتخابات، وبفارق كبير مثلاً 60٪ عن أقرب منافسيه. لا أستبعد ان يخرج البعض، ويحرق الإطارات، وينادي بثورة لإسقاط حزب الأمة رغم فوزه بالغالبية؛ لأن أغلب الناس لا يعرفون المفهوم الديمقراطي البسيط، والبديهي أن الانتخابات ليست لتحقيق رغبات، وانما لتمكين صاحب الاغلبية، واياً كان رأيك فيه يجب احترام ما ينتجه الصندوق، وهذا لا يعنى أن دورك انتهى، على العكس تكون هذه بدايتك في ممارسة معارضة رشيدة تقلب الطاولة في اول استحقاق قادم .
المشكلة التي تواجه أغلب شباب الثورة السودانية أن الشباب حتى الآن عاجزون في الانتقال من المرحلة الثورية إلى المرحلة السياسية، الحالة الثورية حالة ضرورية ومهمة، لكن ايضاً لها حدودها ووقتها ومكانها استمراريتها يعنى أنها تحولت مثل كل شيء في الحياة من إيجابية إلى سلبية كل ما فات عن حده ينقلب الي ضده .
لذلك أنا اؤيد بشدة انشاء كيان يستوعب طاقات الشباب وتحويلها من طاقة ثورية الى طاقة سياسية، رغم تخوفي من استغلال البعض لمثل هذا الكيان الاستغلال السلبي.