لكننا نرفض العنصرية والجهوية التي تؤسس للتفرقة والإنفصال
نرفض ومن موقف القوة والغالبية العظمي في الشمال ما يسمي ب كيان الشمال أو تحالفه
مثلما ظللنا طيلة تاريخ السودان الحديث نعمل مع الجميع وبكل إخلاص من أجل تأسيس دولة وطنية مستقلة تقوم علي مبادئ المساواة والحرية والديموقراطية، نواصل نحن النوبيون طريقنا لتحقيق تلك القيم. شاركنا في كافة مراحل النضال الوطني، بكل تقدمت قياداتنا الصفوف وانتشرت كوادرنا في كافة ربوع السودان تنشر الوعي وتبذر الروح الوطنية: جيل بعد جيل. وفي سبيل ذلك قدمنا التضحيات وصبرنا مع اخوتنا في كل السودان علي الشدائد التي مرت علي كل الوطن في كافة حقب الظلم الاجتماعي والديكتاتوريات والتهميش الاقتصادي. ومتجردين عن خصوصيات تراثنا النوبي العظيم حتي في فترات الظلم الذي تعرضنا له نحن وحدنا بالإغراق المتكرر لأراضينا في ١٩٠٣، ١٩٣٠ والمأساة الكبري لأهلنا ببناء السد العالي المصري في ١٩٦٠-١٩٦٤ وما ترتب علي ذلك من إغراق واسع لأراضينا والتهجير الجماعي القسري الي شرق السودان وما صاحب ذلك من أزمات لا تزال تضرب عميقا في الوجدان النوبي. وبالرغم من ذلك، واصلنا بكل جلد وثبات في إعلاء قيم الوطنية والوحدة وتقدمنا الصفوف عند اسقاط نفس الدكتاتورية التي ظلمتنا وعند كافة المحكات التي مرت علي وطننا الحبيب انتهاءً بمشاركتنا الفاعلة في ثورة ديسمبر العظيمة. ويشهد علي ذلك المسيرات التي انتظمت كافة القري والمدن النوبية، والقيادات الشبابية النوبية التي تقدمت الصفوف في العواصم وفي الخرطوم، وخيم المنظمات النوبية في ساحة الاعتصام وقوائم الشهداء والمفقودين والجرحي.
ولأن ذلك في غاية الوضوح لكل من درس ويدرس التاريخ الوطني للسودان، وعلي كل المستويات الرسمية او الشعبية الأهلية، لا أحتاج أن أزيد في الإيضاح أكثر من هذا.
ولكنني أري ضرورة ملحة الآن أن أوضح جليا معني أن نتداعي نحن النوبيون لننتظم في مكونات خاصة، متفرقة كانت ام متحالفة، خلف شعارات تطالب بالتنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للمنطقة النوبية. ومن جديد أقول اننا من الوعي المتقدم ننظر الي تلك المطالب من منظور المصلحة الوطنية البحتة. لا يحدونا في ذلك أي تشويش فكري ولا خلط منهجي. وسرعان ما نعيد ترتيب الأولويات وبكل ابداع عندما نتحسس الخطر القومي الوطني لنقفز الي مقدمة الصفوف مدافعين عن كل الوطن السوداني الحبيب.
نحن النوبيون وحدويون وطنيون نرفض تقسيم السودان ونرفض كل ما يؤدي الي ذلك. ونتمسك بوحدته التي شاركنا نحن في صياغتها متلألئة بجمال ألوان التنوع العرقي وثراء التعدد الثقافي.
وعندما نطالب بإحياء الحضارة النوبية وإعلاء قيمها وإعادة بعث ثقافتها إنما نقوم بالواجب الذي يمليه علينا وطننا ككل. فهذه الحضارة الإنسانية العريقة والموغلة في القدم، هي جزء أصيل وأساسي في التكوين الوطني السوداني. وصحيح جدا، ونحن نكافح من أجل ذلك، لا تختلط لدينا الأمور وإن تشابكت سبلها. فعلي سبيل المثال: نحن نعلم جيداً منتهي مطالبتنا العاجلة بتوفير مقومات الحياة الكريمة مثل خدمات الصحة والتعليم وغيرها: حيث يؤدي ذلك الي استقرار النوبيين علي أرضهم وتفرغهم الي أعمارها وتنميتها. ونعرف جيداً منتهي مطالبتنا الصارمة بوقف التعدين العشوائي: حيث يؤدي ذلك الي وقف التدمير البيئي القاتل لكل أشكال الحياة في المنطقة النوبية، ومنتهي مطالبنا بإعادة تنظيم مربعات أراضي الإستثمارات المتعددة زراعية كانت او تنقيب او تعدين: حيث نحافظ علي المواقع الأثرية ونوقف النهب المنظم والتخريب المتواصل لهذا الإرث الهام، مما يساعد علي انعاش السياحة ومدخلاتها الاقتصادية الكبيرة.
وندرك جيداً أن كل ذلك يصب في نهاية الامر ومنذ بدايته في مصلحة الدولة السودانية الموحدة ودعمها اقتصاديا وتنمويا. وندرك جيدا أن من واجب كل مكون في هذه الدولة أن يكون هو الأحرص علي أحياء وتطوير كافة عناصر التنمية في منطقته بما يساهم في التنمية الوطنية الشاملة.
أما مسألة تنمية “الشمال” وشعارات النهوض ب “شمالنا” فهي مرفوضة من حيث المبدأ: ببساطة لأنها جهوية تقسم الوطن السوداني وتؤدي الي تفتيت اللحمة الوطنية وتجزير النزعات الخلافية.
وكمثال: هنالك فرق كبير جدأ بين ما يدعو له الكيان النوبي الجامع بضرورة إعادة بعث وإزدهار الحضارة النوبية. ولابد ان يكون واضح تماما للجميع أنها دعوة وطنية سودانية وحدوية. وهي تتشابي مع دعوات اصيلة وصادقة تأتي من الشرق في ندائها ببعث حضارة البجة، ومن الغرب لدارفور، ومن الفونج والأنقسنا وغيرها.
يخطئ من يظن أن في ذلك توجه عنصري او قبلي: لا، بالعكس فهو واجب وضرورة وطنية لتطوير عناصر التعدد والتنوع في إطار الوحدة الوطنية للدولة السودانية. يكون السعي نحو إحياء القيم التراثية والثقافية لتلك الحضارات والتي وبلا شك في تمازجها عبر السنين قد شكلت الهوية السودانية التي نفتخر بتميزها في كل الدنيا، وتندهش لتفردها كل الدنيا.
الحديث عن بعث الحضارات والثقافات للشعوب الأصيلة لم يعد ترفًا ، ولا نزعة، بل أصبح هدفاً وواجباً وطني وقومي بل ودولي. وقننته الأمم المتحدة بإصدارها لإتفاقية الشعوب الأصيلة:
مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان | اتفاقية الشعوب الأصلية
صحيح ، هي أهداف سامية وتلامس الوجدان والتكوين النفسي لعناصر التنوع، مما قد يدفع البعض وهم يزهون ويفخرون بإنتماءآتهم التاريخية العميقة الي بعث روح التنافس والغيرة، وهذا الذي يتطلب وجود الوعي المتقدم التي تعمل علي ضبطها وتوجيهها لتصبح عوامل للوحدة الوطنية السودانية.
كان من الواجب أن تقود الدولة وبمؤسساتها المختلفة منذ إعلان الاستقلال في ١٩٥٦ عملية التنمية والتطوير المنظم لتراث كافة القوميات المتعددة التي كونت بوحدتها الدولة السودانية. وأن لا تحوجها لأن تأخذ مطالبها بيدها وبالتالي تعرضها لمخاطر التجاذب الغير موضوعي والغير وطني. ولكن وبكل أسف حدث ذلك مع الخراب الشامل الذي أحدثته النظم الديكتاتورية المتعددة التي حكمت السودان جل فترة حكمه منذ الإستقلال. مما كان له الأثر السيئ والخطير خاصة عندما ارتبط بسياسات التطور الغير متوازن والتهميش الحاد لمناطق جنوب السودان وأدي الي انفصاله المؤسف. وكذلك مناطق دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق واشتعال الحروب الأهلية فيها.
هذه التجارب وإن تفاوتت في محتواها وشكلها، تدعوننا جميعا وخاصة علي المستوي الرسمي، الي الانتباه والحذر الشديد. ولذلك نجدد دعواتنا ومطالبنا بضرورة الإلتفات الي مسألة التفاوت الغير متوازن في التنمية الاقتصادية وفي نفس الوقت وضع سياسات واضحة تؤدي الي التطور الثقافي والحضاري في كافة ربوع السودان. يجب أن لا تدفعنا مرة اخرى أطماع النهل الغير مدروس من موارد السودان الطبيعية الي تجاهل أهمية تفادي تخريب مقومات المناطق التراثية والحضارية بل لابد من الحرص علي الحفاظ عليها والسعي الي تطويرها وبعثها.
ونقول ذلك الآن وهنالك من يسعي الي استغلال الوضع الانتقالي الذي خلفه النظام البائد.
ونواصل نحن الإلتزام برفض الدعوات التي تتعمد الي بذر الفرقة والشتات. ولن يخدعنا تدثرها بشعارات عزيزة علينا مثل وقف حرائق النخيل وتنظيم التعدين وتعليم اللغة النوبية وغيرها.
نعم لتنمية المنطقة النوبية وإحياء تراثها وازدهار حضارتها في إطار السودان الموحد وتحت قيادة الدولة المدنية. ولا لدعوات التكتل والتقوقع بإسم كيان او تحالف الشمال. ولا عجب أن تقود تلك الدعوات نفس العناصر التي شاركت النظام البائد وتآمرت معه علي كل السودان ونهبت ثرواته وخربت موارده شمالا وجنوبا شرقا وغربا.
م. خيري عبدالرحمن أحمد
رئيس الكيان النوبي الجامع
٣٠ مايو ٢٠٢٠