لم يسعدني الحظ لأنعم بصحبة أي من جداتي (حبوباتي)، فوالدة أمي وكان اسمها روضة طه كانت – كما فهمت لاحقاً – تعاني من الزهايمر عندما التقيت بها في بدين قادما من كوستي، وانا ابن اربع سنوات، بينما توفيت حفصة فقير والدة أبي قبل أن أولد، ومع هذا فقد نشأت في بيئة لي فيها عدد من الحبوبات، واستمتعت بدعواتهن النابعة من القلب والحجي (الحكايات) رغم ان معظمها كان هتشكوكي أي مرعب ابطالها الغول والجن أو السحّار أبو ضنب القادم من جزيرة ناوا (حنية أهلي النوبيين تجدونها في أغنية “عديلة لمكي علي ادريس والتي صارت على كل لسان).
للحبوبات في السودان طعم أكثر حلاوة حتى من طعم الأمهات، وقد تركن لنا موروثا هائلا من الأدعية الطيبة التي تؤكد أنهن خزائن ابداع وحنان، فعندما تسدي لها خدمة بسيطة كأن تأتي بها بكوب ماء، تجعلك تحس وكأنك قمت بحل مشكلة دارفور وأزمة الخبز والغاز: يخضِّر ضراعك/ انشاء الله تتعلي ما تندلي، تتبارك وما تنشارك
يعدل خطوتك، ويديك الفى نيتك؛ ويحل كربتك، ان شاء الله لا تنشرم لا تنترم (كيفن عاد يا حبوبة ما كلنا ح ننترِم)، ان شاء الله لا تعمى يقودوكا ولا تتكسر يشيلوكا، ان شاء الله – ربنا يغطيكا و ينجيكا ويطرح البركة فيكا، ربي يبعد عنك ولاد الحرام وبنات الحرام، وترجا داير بعد داير بركة من صلّى، وقال يا الله ومحمد ولد عبد الله
وانظر الى هذا الكرم الفياض الذي يغمرك ويمنحك الإحساس بأنك فعلا “ابن/ بنت حلال”: عافية منك عدد الصفق فى الشجر وعدد المياه فى البحر…وعدد الطير ما طار…عافية منك…من شيل حكرى…ومن لبن شطرى…عافية منك الاف الاف لى يوم الوقاف…يعدل خطوتك…ويهون قاسيتك…وينجح قلمك…ويعدل فهمك. يغطيك ومن الشينة يضاريك، لا تنخان لاتنعان. تكبر سهلتك وتوسع مهلتك/ بركة بطني الشافت ابوك قبال عينى (يا سلام على عذب الكلام) كان هبشته الحصاية تنقلب موية وكان هبشته الرمال تنقلب مال.
وتجلس حبوبة على التبروقة وتنشر جناحها الرؤوم على الجميع: يا حافظ البيضة في صوف الخلا، لامن تفقع وتطير، تحفظ وليداتي ووليداتن، من الأذي والأذية، ومن الأيد القوية ومن دهمة العربية، ومن هجمة الحرامية/ ياربى تحفظ وليداتى في قبة من حديد، تحفظن من المرض الكعب والمرض الصعب، وتديهم العافي (العافية) الأحلى منها ما في
أما إذا كنت مسافرا فعند حبوبة ذخيرة من الأدعية تعطيك الإحساس بالأمان والطمأنينة: ودعتك الله، ودعتك وداعة الالف الما بتنتلف…وداعة الله عند الرسول…كرسي فيك يدور…وجناح جبريل فوقك مشرور…ودعتك وداعة ام قيردون لى جناها…يحفظك المولى في قبة من حديد…اولها في الموية…واخرها فى السمايا…لا يفتحها مفتاح لا يشوفها تمساح. (هل يشتهر طائر أم قيردون بالحنان؟ ويذكرني هذا بأغنية سمسم القضارف التي جاء فيها: حبيب بريدك ريدة/ ريدة الحمام لوليدا- وحب الحمام لوليدها قصير الأجل فبعد ان يتعلم الحمام الوليد الطيران خوة فرتق، وبالتالي فالحبيب في الأغنية مستهبل).
والحبوبة مواكبة للأحداث وتتمنى لك ان تخرج من بند العطالة: يعلي قلمك و يكتر فهمك/ يديك الوظيفة العالية/ يفك ساجورك ويسهل أمورك، وهناك الحبوبة التي تعرف إنك حنكوش فتدعو لك: يديك العافية ويسكنك الصافية (هذا هو الحي الوحيد في الخرطوم بحري الذي نجا من كرتي وحمزة وهند وبعلها محمد غير النجيب)
هاتوا ما عندكم من ذخائر ودرر الحبوبات والأمهات.