في هذا الصباح المخضب بذكري الدم والغدر وبارود القيادة ومجازر الفداء الجماعي ، لابد وان نقف لجرد الحساب. نقول، وبالمجمل، الثورة ليست بخير! بدلا من الانْجِحار والاختباء مذعورة، خرجت كتائبهم تتقافز في شمس الضحي الأعلي، أمام أمهات الشهداء تستفز، وتمط اللسان! غادروا المخابئ بعد أن أمِنْوا العقوبة، لا ظل ولا زنازين ولا يحزنون، رفعوا التمام بمكبرات الصوت يتحدون وينادون علنا بذبح الثورة. لماذا ؟ لا من سبب سوي ضعف حكومة الثورة وتلكؤ قيادتها في اتخاذ أبسط القرارات، وتغافلها عن تفعيل القوانين الموجودة، وإهمالها تطبيق المستجد الذي نصت عليه بنود الوثيقة الدستورية، أحسن الأسوأ الذي خرجنا به بعد ميلاد عسير.
بأمر الثورة ، نطالبك يا دكتور حمدوك بتمزيق رداء الصمت، ودبلوماسية التستر فتكاشفنا، اليوم لا غدا، بحقيقة ما يدور في الخفاء من مؤامرات. قل لنا ولا تخشي شيئا، فهذا الشعب العظيم الذي منحك تفويضا مليونياً، علي مرتين، يستحق ان تعامله بثقة . فهو عنوان في الوعي، ويدرك حقائق النزاع وأساسيات التجاذب؛ لذا فهو جدير بأن تفاتحه بحقيقة ما يجري بعد أن طفح الكيل، وتناسل العجز، وتكاثف الشرر، وما أحداث الفشقة وطبول الحرب إلا دليل علي الانفسام والتشظي . لولا تضحيات شهدائنا الأبرار والجرحي والمختفين والغارقين، ما كان بالامكان إسقاط نظام الذل والاستبداد والطغيان والاذلال واللصوصية .
لكن إذا استمر هذا الاداء “السبهللي” سيصعب علينا أن نجد مرثية للهزيمة إذا ما انزلقت الثورة في الكمين، وظفر بها المتربصون الساعون إلى وأدها. يومها لن نسمح لمن فشل في المحافظة علي الثورة أن يحدثنا عن الكارثة، فمهمة تدوين ذلك الفصل المؤلم من التأريخ، لاقدر الله، سوف تنبري لها أجيال السودان الحاضرة والقادمة. اخرج لنا، يادكتور حمدوك، وسَمِّ الاشياء بمسمياتها، وانزع النقاب عن الوجوه المتآمرة. قل لنا: مَنْ قام بزرع تلك الأسلاك وأجهزة التصنت في سقف مكتبك ولحساب من عملوا؟ كيف تسلل من تسلل الي أهم مكتب في بلادنا، وبكل طمأنينة حفروا السقف بحرفية، وشبّكوا الأسلاك، وقاموا بدهن السقف، وزينوا المكان، وغادروا، ومعهم أكياس قمامة ما تساقط من السقف ،وغابوا في جوف الظلام بلا مراقبة بشرية أو آلية؟ ما هو حجم الدمار الذي لحق بأمننا القومي؟ ومنذ متي ظلت تلك التسجيلات تنقل حديثك مع كل من جالسك أو زار مكتبك بعد أدائك للقسم في 21 أغسطس 2019م؟
لماذا صمتت تلك السفارة “الصديقة” علي ما كانت تعلمه ولم تخطرك بوجود تلك الأجهزةـ إلا عندما حان اجتماعك يوم الخميس 27 فبراير2020 مع الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير- اول رئيس دولة غربي يشرف بلادنا في العهد الجديد؟
يا تري، هل من فجروا موكبك صباح الاثنين 9 مارس الماضي لهم علاقة بمن كانوا يبصبصون عليك، ويتصنتون علي محادثاتك وأسرار من يجالسوك ؟ قل لنا يا رمز ثورتنا المدنية، لماذا لم نسمع بنتائج التحقيق الذي بشّرنا المتحدثون باسمك قبل 9 أشهر بشروعهم فيه لمعرفة المتسبب قي فضيحة مؤتمرك الصحفي مع وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس يوم الثلاثاء 3 سبتمبر 2019م، عندما تعطلت المايكروفونات، ولم يشفع أن يكون اول مسؤول ألماني رفيع يزور السودان منذ 2011م.
كيف نقبل أو نرضي برئيس وزراء بلادنا، ورغم علمه التام بالجهات التي تستهدفه، والتي ما انفك يتحدث عنها متي ما أراد أن يبرر تضاؤل محصول إنجازات وزارته، ورغم ذلك يتحرك مكشوفا وأعمي بلا ” عيون استخبارية” تضيء له الطريق؟ رمز سيادتنا لا يتوافر علي مكتب أمني يؤمِّن محادثاتهـ ويحافظ علي سرية اتصالاته، وأمن مكتبه ، بل ويحرس حياته التي “كادت أن”؟
كل ذلك العمي التقني يحدث رغم أن أجهزة وتطبيقات تقنية كشف التصنت المضاد مبذولة علي موقع شركة (أمازون)، وغيره، وبأسعارمريحة لا يتعدي سعر الجهاز الكفؤ منها المخصص للاستخدام الشخصي ثمن خروف السماية ( 189$) !! .
نتطرق لهذا الخيار التجاري، ونحن نفترض عدم الثقة، وبالتالي، عدم رغبتك الاعتماد علي جهاز أمن ” فلول النظام البائد ” في توفير الجماية التقنية لك، رغم أن ذلك الجهاز حلب خلال 30 عاماً 70% من ميزانية بلادنا، واشتهر بتوفره علي أغلي المنتجات الألمانية التي تتألف منها منظومة شبكة أجهزة التصنت (LIS ) Lawful Intereceotion System الخاصة به .
نقول لك اليوم، وبكل صراحة، إن الأحاديث الهامسة وقفشات الصالونات مع رهط مختار من الصحافيين ليس بديلاً للمفاتحة الجماهيرية . لا نستكثر التقائك بأي زميل، فهذا حقك. وغض النظر عن مقدار ظنك في أستاذية من تختارهم وفعاليتهم في إيصال رسائلك لأكبر كتل من الرأي العام، وغض النظر عن رأينا المهني فيهم، ومقدار اعتدادهم ومفاخرتهم بقدراتهم التأثير، إلا أننا نعترض إعتراضا مبدئياً علي الشلليات التي يجمع كثيرون أنها غدت أحد آفات عهدك.
ومع التسليم بأن اختيارك لطاقمك التنفيذي هو حق مكفول لك، بيد ان تقييم أداء من تفرضهم علينا هو حق الشارع الذي أتي بك وبهم. فهذه الثورة ليست شهادة بحث في جيب البرهان أو حميدتي او حمدوك أو كل المراهنين علي علو كعبهم أو القوي التي يستند عليها (كل) هؤلاء داخلياً أوخارجياً. الملاك الحقيقيون لهذه الثورة هم من حرسوا الترس، ومن التحف الظلط، ومن خرج إبنها ولم تودعه، ومن لا يزالون يضمدون جراحهم، والأبطال المرابطون في لجان المقاومة في الأحياء ومواقع الفعل . بعيداً عن موضوع التصنت والتجسس، نقول لك إن أكثر ما نتأذي منه الآن هو المناكفات والمكايدات، والضعف في تنفيذ مطلوبات الثورة الذي يشتعل بين المكونات والشخوص، التي تتصدي لقيادة الفترة الانتقالية.
الإجماع التحليلي بين قوي الثورة الحية خلص لثالوث من الأسباب التي نرجو إصلاحها اليوم قبل غدا: غياب القيادة، وانعدام التصور الموّحد لكيفية تحقيق أهداف هذه الفترة التي نصت عليها الوثيقة الدستورية، وأخيراً، هيمنة محاور الاستقطاب الخارجي علي ثورتنا. نريد عملا يوازي تلك الهموم ! المجد للشهداء والنصر لشعبنا الجسور