تناول رئيس وزراء حكومة الثورة السودانية السلمية دكتور عبد الله حمدوك في حديثه الى تلفزيون السودان مساء اليوم (٤ يونيو ٢٠٢٠) عددا من قضايا الساعة وأولويات الحكومة التي شكلها في سبتمبر ٢.١٩.
يمكن النظر الى الحديث من زاويتي القضايا التي تناولها ،ولغة الخطاب السياسي وهل تختلف عن الأساليب التي كان النظام السابق ينتهجها في مخاطبة الشعب؟.
من أبرز العناوين التي تناولها قضية العدالة ومحاكمة من ارتكبوا جرائم بحق الشباب والسودينيين واكد ان ( لا كبير على العدالة ) ، وضرورة تحقيق السلام وشدد على اهمية بحث اي موضوع في (حوار) السلام بين الحكومة و(حركات الكفاح المسلح ).
أشار الى الفلسفة الاقتصادية التي تعتمد نهج الشراكة) الذي تطرحه الحكومة للدول الخليجية والغربية في مجال الاستثمار لا (الشحدة) .
تناول موضوع ( الفصل السادس) لقرار مجلس الأمن بشأن دعم المرحلة الانتقالية وان البعثة السياسية لمجلس الأمن لا تتضمن دخول قوات دولية .
يبدو ان الحديث جرى تسجيله قبل صدور القرار الدولي (اليوم) و أكد القرار كلام حمدوك ، اذ لا يتضمن دخول قوات أممية ،
معلوم ان عناصر النظام السابق تصدوا لقيادة حملات تضليل لبعض الناس في هذا الشأن ،ونسوا أنهم تسببوا بسياسات حكمهم الرعناء في دخول آلاف الجنود الأجانب الى السودان في فترة حكم الرئيس المخلوع عمر البشير تحت (الفصل السابع ) .
أقر حمدوك بخطأ ارجاء تعيين الولاة وتشكيل المجلس التشريعي حتى الآن، وعزا ذلك الى التوجه في هذا الشأن ربط بين هاتين المسألتين وتحقيق السلام.
كما اقر بحدوث اخطاء في اطار خطط مواجهة فايروس (كورونا)، أرى ان الاعتراف الحكومي بالأخطاء -كما جاء ايضا في حديث سابق لوزير الصحة دكتور اكرم التوم- يعني ان الحكومة تحترم شعبها وتعترف بأخطائها لانها من الشعب واليه .
اذكر أنني اشرت الى خطورة ارجاء تعيين الولاة وتشكيل المجلس التشريعي في حديث الى قناة سودان بكرة منذ أشهر عدة ، ورأيت ان تشكيل المجلس التشريعي سيدعم عملية السلام بتشريعات ).
من القضايا المهمة في حديث حمدوك دعوته المهمةً الى تطوير (اعلان قوى الحرية والتغيير) ليواكب المرحلة الحالية لانه خاطب بعموميات هدف اسقاط النظام .
كنت تناولت أهمية تحالف قوى ( اعلان الحرية) وضرورات وحدة قوى التغيير في عدد من اللقاءات التلفزيونية والاذاعية قبل عام .
قلت في حديث الى( بي بي سي ) قبل اشهر عدة انني أرى ان يستمر تحالف قوى الحرية بعد الفترة الانتقالية لخوض الانتخابات كتحالف وطني قاد الثورة ويقود مرحلة الانتخابات وفترة اعادة بناء السودان الديمقراطي الجديد.
تحدث رئيس الوزراء بطريقته الهادئة الرصينة وبأسلوب لا يخلو من خجل وبعيدا عن نهج ولغة (العنتريات والأكاذيب) التي اشتهر بها رموز نظام الفساد والقمع البائد، عن بعض انجازات حكومته ، مشيرا الى (الفرح) الذي ساد أوساط الشعب وخصوصا المعلمين بزيادة الرواتب واكد ان تغطيتها تتم من موارد محلية حقيقية.
أعتقد بان الاهتمام بالمعلم ودعمه يشكلان مفتاح التغيير الأول نحو دولة العلم والتنمية والوعي وحقوق الانسان .
من ابرز الانجازات ما وصفه رئيس الوزراء ب(ملحمة انتاج القمح،نحن فخورون بها) في اشارة الى تحقيق انتاج القمح الكبير هذا العام، وكان رائعا أنه أعاد الفضل الأول للمزارعين اذ وصفهم ب(الأبطال الحقيقين).
في زمن كورونا جاء اصدار قانون حماية الأطباء والكوادر الطبية والمؤسسات ليضع حدا لمن يعتدي على الأطباء وكادر التمريض، وكان حديثه عن انجاز هذا القانون مهما، وأقول ان ازمة الدواء تقلق كثيرين في السودان وتحتاج الى معالجات سريعة لانها تتعلق بأرواح الناس.
في سياق تناول حمدوك لقانون يحمي الأطباء أقول يبدو اننا محتاجون لقانون لحماية الصحافيين، لان حوادث الاعتداء والاستفزاز متعددة في زمن الثورة .
آن الأوان ان تتم حماية الصحافيين باقرار قانون يحمي الصحافي أثناء أداء العمل من قمع (نظاميين) يتجاوزون مهماتهم ويمارسون تطاولا وارهابا محسوسا وملموسا،او حماية (السلطة الرابعة ) بأي تشريع او اجراءات قانونية .
اعجبني في حديث حمدوك تشديده كما قلت ان (العدالة من ركائز الثورة) وصحيح – والحديث لحمدون- ان القضاء مستقل وكذلك النيابة العامة.
لكن المؤكد انه يعلم ان تأخير اعلان نتائج تقرير اللجنة المستقلة لفترة أطول سيخلق غبنا شديدا لا في نفوس أهل الشهداء والجرحى والمفقودين فحسب ، بل في أوساط الشعب الذي ردد مع الرائعات (الكنداكات) والرائعين الشباب (دم الشهيد دمي)و(أم الشهيد أمي).
تحدث حمدوك عن الشركات الأمنية والعسكرية وتفاهمات بشأنها،وتناول قضية اثارت جدلا في اوساط عدة بشأن رفع الدعم عن السلع، وشدد على ترشيد الدعم ،وان لا رفع للدعم عن الخبز مثلا.
كلامه يعني انه ووزير المالية دكتور ابراهيم البدوي يعملان بتنسيق ووفق تفاهمات ،اي ان مسألة (دعم السلع الاستراتيجية) و(ترشيد الدعم) هو سياسة الحكومة،مثلما تبنت موضوع المرتبات، التي تحدث عنها وزير المالية،وأثار سعادة في نفوس الناس عشية عيد الفطر.
أرى ان كلام حمدوك بشأن تركيز حكومته على (تفجير طاقات الشباب) مهم جدا، الثورة فجرها الشباب،والمستقبل سيصنعه جيل جديد بوعي جديد مع كامل احترامي لأجيال أخرى قدمت دماء غزيرة وعزيزة و تضحيات كبرى وواجهت الحكم الديكتاتوري بقوم وجسارة منذ وقوع انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩.
اقترحت قبل نحو عام في ندوة نظمتها رابطة خريجي جامعة الخرطوم في لندن ان تولي حكومة الثورة اهتماما بتوفير وظائف للشباب،وقبل توفيرها تقوم بتخصيص دعم مالي للعاطلين عن العمل او من سميتهم (المعطلين عن العمل) كما يحدث في دول غربية مثلا الى حين توفير وظائف في القطاعين العام والخاص.
قد يتساءل اي انسان: من اين تأتي الاموال، الرد انني اقترح تخصيص نسبة من الاموال المنهوبة التي تستعيدها (لجنة التفكيك ومحاربة الفساد) واستثماراتها لمساعدة الشباب ماليا في مرحلة ما قبل الحصول على وظيفة .
أقول حمدوك مع التحية ،حديثك الهاديء الرصين بوعي وعلم ورؤية يشرف- كما اعتقد- عدد كبير من السودانيين ، ولا أقول كل السودانيين، لان هناك من لا تسطيع ان تقنعهم بايجابيات مناخ التحول الديمقراطي والحريات التي تسود البلد لأنهم فقدوا السلطة ومصدر استنزاف مال وعرق الكادحين.
رغم دعمي لرئاستك حكومتنا الانتقالية التي جاءت نتاج دماء ودموع ، رغم ذلك اقول لك اهتم بأراء الثوار وفي صدارتهم (لجان المقاومة) وخصص لهم لقاءات شهرية مثلا للاستماع لرؤاهم لتستمد منهم قوة نبض الثورة ولتوظف طاقاتهم في تعميق دور (المتطوعين) في خدمة المجتمع .
انهم والشعب يريدون ان يلمسوا ايقاعات انجازات اسرع تمزج بين التخطيط الواعي ونبض الثورة وهيبة الحكومة.
أقول لك ولمجلس السيادة ان هيبة الحكومة مهمة.. التعامل بتساهل مع أعداء الثورة ومن يستهينون بالاجراءات الحكومية ضار،والعدالة (بالقانون) ضرورية لحماية ثورة الشعب وتطلعاته المشروعة في غد أفضل، تسوده الحرية والعدالة والسلام والعيش الكريم.
– لندن
٤ يونيو ٢٠٢٠