بصورة مفاجئة حددت وزارة الري رسوم ري الفدان الواحد بمشروع الجزيرة والمناقل ب ٧٥٠ جنيها بدلا عن ٢٥٠ جنيه !! هذا القرار أثار غضب المزارعين وحمل إشارات غير جيدة للزراعة ومستقبلها، الجميع اعتقد ان حكومة الثورة سوف تهتم بالزراعة والمزارعين لانهما عماد اقتصاد السودان ، واستبشر الجميع بها خيرا ، فهل هذه هي النتيجة ؟!
قبل حوالي شهرين شكل رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك لجنة قومية عليا لإنجاح الموسم الزراعي الصيفي برئاسته وعضوية آخرين ، فهل مر هذا القرار عبر هذه اللجنة ؟ ام انه قرار لا علم للجنة به ؟ وفي الحالتين هذه مشكلة ، فإن مر هذا القرار عبر هذه اللجنة فهذا دليل ان اللجنة ليست لجنة انجاح وإنما لجنة إفشال، وأن لم يمر بها فهذا دليل على أنها لجنة لا تعلم من شئونها شيئا .
اللجنة التسييرية لاتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل رفضت قرار وزير الري ، وطالبت بمراجعة القرار ، كما طالبت مستقبلا بمناقشة مثل هذه القرارات مع أصحاب المصلحة جميعا والجهات ذات العلاقة ، وهذا يؤكد أن الاتحاد لم يستشار في هذا الأمر، وهو دليل ان هذا القرار لم يتخذ فيه رأي المزارعين ولا رأي قادتهم في الاتحاد ، إذا كيف صدر هذا القرار ؟
القرار الكارثي بصورته التي صدر بها يبدو كانه جاء ردا على النجاح الباهر في إنتاج القمح في العروة الشتوية الماضية ، والذي كان إنتاجا ضخما ومفاجئا للكل ولم يحدث في تاريخ السودان ، فهل هكذا تكافيء وزارة الري الزراعة والمزارعين ؟!
نعلم بان هناك ارتفاع في الدولار وانخفاض في قيمة الجنيه، ونعلم بأن هناك ترشيد في دعم الوقود ، وكل هذا قد يؤثر على تكاليف تجهيز وتشغيل وصيانة ونظافة القنوات والخزانات ، ولكن ما الذي تملكه الدولة غير الزراعة ؟ ماهو القطاع الإنتاجي الوحيد الذي لا يكلف كثيرا وفي نفس الوقت يدعم البلاد بما يفوق ٥٠% من إجمالي الناتج المحلي ؟!
بلادنا زراعية ويجب ان تنال الزراعة والمزارعين المركز الأول في عمليات دعم الإنتاج المحلي، دولة الكيزان تجاهلت الزراعة ودمرت مشروع الجزيرة حين جرى فوق يديها الذهب الأسود( البترول ) وحين انفصل الجنوب وذهب البترول بعيدا ، وهبط الدخل القومي بصورة حادة ، التفتت الإنقاذ المزعورة إلى مشروع الجزيرة ولم تجده ، تجاهلت الانقاذ الإنتاج الزراعي ولم تصرف على الزراعة كما صرفت على اليخت الرئاسي وعلي جيوب الكيزان المنتفخة والمدن الاسمنتية التي تتطاول فارغة من العقل والجوهر ، لذلك كان هذا سبب الانهيار الاقتصادي الذي بدأ من ذلك الوقت ولم تفلح معالجته حتى اليوم نتيجة عدم تقدير الزراعة والمزارع حق قدرهما .
اذا أرادت الحكومة الانتقالية ان تؤسس لنهضة سودانية، فإن الاهتمام بالزراعة يجب أن يكون بلا نقاش الأولوية الأولى ، دعم الزراعة بصورة غير مكلفة وغير مشروطة هي المدخل الصحيح لمعالجة الاختلالات المستمرة في الإنتاج، الدولة عليها ان تتشارك مع المزارع لا أن تشعره بأنها( السيد ) وهو ( الأجير ) . عليها أن تناقش مع المزارع كل القرارات المتعلقة بالزراعة ، لا أن تفرض عليه قرارات سيادية لا يعلمها حتى اتحاد المزارعين . عليها ان تحترم هذا القطاع الذي ظل منذ الاستقلال المصدر الاول المستمر لدعم ميزانية الدولة ، ورغم ذلك ظل المزارع عبر السنوات ( يشقى ) و ( يكدح ) ولا يناله الا الفتات ، لا طرق معبدة وط،لا مستشفيات مهيأة ، لا مصانع تحويلية زراعية ،لا كهرباء ،ولا ماء صحي. استمرار بقاء المزارع بقرة حلوب لكل الأنظمة السودانية يجب ان يتوقف ، وحكومة الثورة التي جاءت من رحم تضحيات الشعب السوداني عليها ان تكون اول من يفعل ذلك .
sondy25@gmail.com