في حوار صحفي لعضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي بالحزب الشيوعي صدقي كبلو ، ذكر بأن هناك ( تقدم ) في موقف حزب الأمة القومي بعد اللقاء الذي جمعه وآخرين من الحزب الشيوعي مع قيادات من حزب الأمة القومي ، استوقفتني كلمة ( تقدم ) هذه ، اذ يتضح أن كبلو يمسك بالورقة والقلم ويصحح لحزب كبير ورائد في مواقفه ويعطي نقاط التقدم والتاخر كما يشاء .
لقاء صدقي كبلو بقادة حزب الأمة القومي تم نفيه بإعلان صريح من مركزية الحزب الشيوعي على صفحة الحزب في الفيس بوك ، بحجة أن اللقاء لم يكن بأمر الحزب الشيوعي ولا لجنته المركزية !! وهذا اسلوب اللعب بالورقتين الذي يلعب به الحزب الشيوعي منذ اندلاع الثورة وحتى الآن، رافض للوثيقة الدستورية وجزء من حكومتها، رافض لمشاركة المجلس العسكري وجزء من لجنة التفاوض معه ، رافض لهيكلة الحرية والتغيير ويدعو للمؤتمر التداولي لاصلاح قحت ، يلتقي عضو اللجنة المركزية بحزب الأمة وتنفي بقية المركزية هذا اللقاء، دوامات من الصراع الداخلي المزعج الذي اربك الحزب الشيوعي واربك معه الآخرين وجعل الحزب يبدو كمن يفعل الشيء والضده ، وهي طريقة مكلفة في السياسة فالجماهير تريد الوضوح ولا شيء سوى الوضوح .
رفض لقاء كبلو بحزب الامة القومي لم تكن الحيلة الوحيدة التي لعب بها الحزب الشيوعي لاستدارج حزب الأمة لكشف أوراقه، فسكرتارية تجمع المهنيين الحمراء بعد ساعات فقط من انتخاباتها المعيبة جاءت مباشرة لقطية الإمام الصادق المهدي وإلتقطت معه الصور التذكراية وأصدرت بيانا رسميا بهذا اللقاء ، والذي لم يكن – بعد انكشاف اللعبة – الا ذرا للرماد على العيون ومحاولة لاخفاء الاختطاف الذي حدث ، الأمر لم يقف عند الإمام بل وصلت السكرتارية الجديدة إلى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في يومها الأول بعد الانتخابات التقت به وأصدرت بيانا ، وهو بيان تكتيكي ضمن مطلوبات لعبة الورقتين التي يعتمدها الحزب الشيوعي ، سرعان ما فضحتها صفحة حسن فاروق القيادي الأحمر بتجمع المهنيين والذي ظل يدعو عبر صفحته يوميا إلى إسقاط الحكومة !
عاني الحزب الشيوعي منذ انقلاب هاشم العطا وتعرض لنكبات متكررة خاصة في ظل الديمقراطية الثالثة حين خسر في الانتخابات بطريقة مذلة ، كاتت ضربة نجلاء لامال الحزب المسخن بالجراح ، أظهرته كحزب بعيد عن اشواق الجماهير وعن قلوب للشعب ، وهو السبب الذي ربما دفع عدد من الأصوات للمناداة بالتغيير والإصلاح ، والذي كان في تعذره خروج للكوادر من الحزب زرافات ووحدانا ليس ابتداءا بالحاج وراق والخاتم عدلان ولا انتهاءا بالشفيع خضر ، وربما هو ذات السبب الذي يجعل الحزب الشيوعي يعاني من صراع داخلي حقيقي بين تيار إصلاحي وتيار كلاسيكي ، صراع يظهر في هذا الشكل المضطرب والازدواجية في القرارات .
الحركة الإسلامية عانت من نفس الأزمة، أزمة الصراع بين مدرسة الإصلاح والمدرسة التقليدية ، وهو ما قاد إلى انشقاقات متتالية في الحركة، وخروج عن ادبياتها ومواقفها ووقوف امام مشروعها ، حيث نالت مدرسة الوقوف امام المخلوع وحركته اعجاب المواطنين ، هذا وضح جليا حين كرم رئيس وزراء الثورة الفقيد الطيب زين العابدين برثاء مهيب ، وهي دلالة على أن أبناء الحركة الإسلامية منهم من اعترف بخطأ الانقلاب وخطا قهر الأخر ، وهو موقف أكده الشعب جميعا في ثورة ديسمبر حين اطاح بحكومة الحركة الإسلامية.
اليسار واليمين يشبهان بعضهما، هما صورتين متناظرتين لمفاهيم واحدة ، مفاهيم يصعب عليها العيش في ظل الديمقراطية ويتعبها العمل السياسي الأخلاقي ويرهقها تناقضها المستمر بين الولاء للوطن والولاء للايدولوجيا، وهذا أساس أزمة الوطن الذي دفع الشعب ثمنا له ستة عشرة سنة من القهر في ظل جعفر النميري وثلاثين سنة من الكبت في ظل عمر البشير .
sondy25@gmail.com