كتب الصديق والزميل البروفيسور مهدي امين التوم: “الجامعات موبوءة بالتعيينات السياسية من غير المؤهلين أكاديمياً، ليتهم يبادرون بالاستقالة قبل نشر غسيلهم؛ حفاظاً علي سمعة الجامعات”.
لا أدري، ولكن وبمجرد أن قرأت ذلك الحديث والمناشدة المهمة للبروفيسور مهدي ذهب عقلي، وتوقفت ذاكرتي بذات حادثة مؤلمة.
كان عام ٢٠٠٧ على ما أذكر. وكان يوماً حزيناً في حياتي العملية بجامعة الخرطوم، وأنا أزور المبنى الإداري أقصد مكتب شؤون الأساتذة، إذ ناداني أحدهم من داخل مكتبه، فدخلت وسلمت عليه بعد أن تعرفت على شكله بوصفه أحد موظفي العلاقات العامة، فقد كان غالباً مرافقاً السيد مدير الجامعة في زياراته الميدانية أو الاستطلاعية للكليات والأقسام.
دعاني الرجل – وبإصرار- وطلب مني الجلوس، وتناول كوباً من الشاى بمكتبه.
في أقل من دقيقة كان قد صدمني بعتاب خشن بأنني لم أبارك له (الدكتوراه) رغم عدم معرفتي لاسمه حتى.
أخبرني بنشوة نيله لها قبل شهور في علوم الرياضة وأهميتها (وليست علوم الرياضيات). بعد قليل أصبح ينادي على عاملة الخدمات التي بدأ أن أصولها من جنوب السودان. طلب بقسوة كوباً من الشاى. وصار يتحدث ويتحدث عن حصوله على درجة الدكتوراة بفخر وافتخار ووووو. بعد مدة حضرت العاملة بالمطلوب، ولكن ترى ماذا فعل سعادة (الدكتور حديثاً)؟ لقد قام بصفعها.
نعم حدث ذلك أمام عيناى، فوقفت على قدمى معتذراً عن تناول الشاي. تركته وخرجت دون ان ألقي التحية عليه مرة أخرى كلما قابلته. هل يا ترى امثال هذا الرجل لا يزالون على قيد الخدمة؟
سبب روايتي لهذا الموقف المحرج ليس فقط ما قدمه البروفيسور مهدي من مناشدة، ولكن ظاهرة اخرى تتعلق بالمحمول الأخلاقي الضعيف لكثرة من حاملي الشهادات العليا.
لقد تأثرنا وانفعلنا بموت جورج فلويد جراء الفعلة العنصرية البغيضة التي قام بها رجل الشرطة الأبيض، ولكن ترى كم لدينا من رجال ونساء في الشرطة و الخدمة المدنية والمجتمع يتصفون بالبغض و يتماهون مع محتوى عنصري تجاه اهلنا من انحاء متفرقة بالسودان باسم النقاء العرقي والتمايز القبلي؟ وماذا ترانا فاعلون بهم؟.