بسم الله الرحمن الرحيم
سئلت بنت جورج فلويد ما هو أهم ما تتذكرين به والدك؟ قالت: إنه استنهض العالم.
نعم قتل غيلة بخنقة سلطوية ظالمة وهو يلفظ أنفاسه: لا استطيع التنفس.
عبارة ألهبت الحماس الشعبي في الولايات المتحدة وفي أغلب بلاد العالم.
موته بهذه الطريقة فجر قضايا تاريخية ينوء بثقلها المجتمع الأمريكي.
1) إن للإنسان الأمريكي الإفريقي فضلاً كبيراً على رخاء الحضارة الغربية. قال رونالد دافيس من جامعة كالفورنيا: ( لا نبالغ حين نقول أن الأرباح التي نتجت عن نظام تجارة الرقيق من عام 1640م إلى 1860م قد ساهمت إلى حد كبير في بروز الغرب في غرب أوربا والولايات المتحدة كالقوى المهيمنة على العالم.)
2) أول سفينة هولندية محملة بالرقيق حلت بولاية فرجينيا – مدينة جيمس تاون – وكانت مستعمرة بريطانية في عام 1620. وظل الرق ممارساً لمدة 200 سنة. ولكن بقي الفصل العنصري بعد ذلك لمائة سنة إلى أن ألغي استجابة لحركة الحقوق المدنية.
3) ومع ذلك ففي أمريكا الإحصاءات تدل على سوء حالة الإنسان الأسود بينما نسبة السود من السكان هي 13% فإن نسبتهم في السجون 43% وعندهم من 100 سناتور إثنان.
ومن مجلس النواب وعدده 435 عندهم 44 نائباً. ومن ناحية الفقر واحد من كل أربعة من السود يعانون الفقر بينما النسبة بين البيض 1 من 13.
إن حالتهم بصفة عامة من حيث السكن ومستوى المعيشة والخدمات متدنية. ويعانون أنواعاً من الإضطهاد لا سيما على يد الشرطة فقد جاء في صحيفة القارديان أن عدد الأمريكيين الأفارقة الذين قتلتهم الشرطة منذ عام 2015 يساوي ما بين 381 و442.
4) أهمية مقتل جورج فلويد أنها حولت هذه الأرقام إلى إرادات شعبية مستنفرة وصارت قطاعات كبيرة منهم تعبر عن شقائها بمقولة نحن لا نستطيع التنفس.
5) الحرية في الولايات المتحدة التي يحميها الدستور هي التي مكنت إبراهام لنكولن من القيام بتحرير العبيد بعد قرنين من الممارسة ثم جاءت حركة الحقوق المدنية بعد قرن من التحرير تحقيقاً لحلم مارتن لوثر كنج.
والآن فإن مقتل جورج فلويد نقل الأمر إلى حركة كاسحة لإصلاح القوانين والمؤسسات لإزالة كافة وجوه العنصرية.
وأهمية هذه الحركة أنها مع أجهزة الإعلام وثورة المعلومات حولت جورج فلويد إلى أيقونة عالمية.
إن أمريكا بعد فلويد لن تكون كأمريكا قبله.
6) المجتمع الأمريكي في الأصل مجتمع مهاجرين ومع أن بعض الكتاب الأوربيين يعتبرون هذه نقطة ضعف ولكنها نقطة قوة لأن المجتمع الحديث مجتمع تعددي.
تعددية تنسجم مع التعددية العالمية الحتمية.
تطور الولايات المتحدة سوف يجعلها ساحة للتنوع والتعددية.
ينتظر أن تتطور حركة الحقوق المدنية إلى حركة المساواة في المواطنة ولن تقف عند حد تصفية العنصرية بل سوف تتطور حتماً نحو العمل من أجل العدالة الاجتماعية فالموقف الحالي غير مستدام إذ يملك 400 ثري في أمريكا أكثر مما يملك 150 مليون أمريكي مع وجود 50 مليون يعيشون دون خط الفقر.
هذا الحال مع كفالة الحريات العامة لا يستقر كانت بعض مظاهر التصدي له في عام 2011 الدعوة لغزو وول ستريت مركز النشاط الرأسمالي ولكن المطلب العدالي سوف يستمر.
سوف يرسل مكتبنا الرئيسي في الولايات المتحدة وفد عزاء لأسرته وسوف ننظم في أربعينيته مشهد تأبين قومي إن شاء الله وحبذا لو أن سفارات الولايات المتحدة أعدت دفاتر ليسجل الزوار عزاءهم ومشاعرهم.
7) نحن في السودان نعاني من عنصرية بغيضة.
قبل أكثر من ثلاثين سنة قلت على مجتمعنا الإعتذار عن الربط بين لون البشرة وعبارة الرق.
لقد صار التهميش في بلادنا ذا سمة إثنية ما يتطلب أن يكون السلام في البلاد مقترناً بالفصل ما بين المساواة في المواطنة والانتماء الديني ومقترناً بميثاق ثقافي يكفل حقوق الثقافات السودانية المتعددة وبتمييز إيجابي لتحقيق التوازن التنموي والخدمي والمشاركة في مؤسسات الدولة النظامية والمدنية.
هذه هي القراءة الصحيحة للدروس المستفادة من تاريخنا الحديث.
ونذكرها ونزف بمناسبة ذكرها سلاماً لروح جورج فلويد فقد ساهم بموته المأساوي في جعل محو العنصرية وتحقيق العدالة الاجتماعية شرطين للسلام الاجتماعي.
وبالنسبة للمسلم فتكريم ابن آدم من حيث هو إنسان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) والتزام العدل الاجتماعي (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( هما من مطالب الإيمان. فأكثرنا إيماناً أصدقنا بهما وقد قال نبي الرحمة: (خَصْلَتَانِ لَيْسَ فَوْقَهُمَا مِنَ الْبِرِّ شَيْءٌ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ، وَالنَّفْعُ لِعِبَادِ اللَّهِ .)