من الصحيح أن القياس لإنجاز السلطة الانتقالية يكمن في تحقيق السلام ولكن ذلك لن يأخذ قيمته بدون محاكمة رموز النظام من القتلة والفاسدين وكل من أجرم في حق اأناء وبنات الشعب من ٨٩ حتى فض الاعتصام.
ما يهم بصفة سريعة يبدو في تأسيس محفظة استرداد أموال الشعب المنهوبة وجعل محتواها وحركة تغذيتها أمرا مرئيا، ومنظورا، ومراقبا من كل فئات الشعب. كم استردينا حتى الآن يا لجنة التفكيك ووزارة المالية من مال سائل ؟ نعم ذلك ما يهم البسطاء وغمار الناس من جماهير الثورة، ويجعل المسترد أداة لتحسين ظروفهم المعيشية بواسطة هيكلة الإنتاج أولا، وتخفيض الأسعار ثانيا، واسترداد عافية جنيهنا المريض، و مؤسساتنا الصحية والتعليمية والخدمية. تأسيسا على ما سبق من مهام فورية و ساخنة يتوجب تصميم أعمال، ومهام، الإعلام لخدمة المرحلة وإلا سوف يتحول من أداة بناء إلى أداة هدم.
الإعلام غير المسيطر على أجندته سوف يلعب الدور المحوري، والمتقدم في إفشال التغيير. أن العقلية التي ندير بها الإعلام ومن قراءة سريعة لخارطة المنتج في سياقاته المقروءة، والمسموعة، والمرئية لم يتجاوز حتى اللحظة حاجز ثقافة التغطية لأخبار الجهاز التنفيذي، كما التحليلات التقليدية الكسولة من وجوه من الأمس السياسية التي كأن بها حياءا لملامسة مضمون القضايا، والمشكلات، وهو ذات التكرار والإعادة لإنتاج ذات العقلية الإعلامية التي سادت في عهد الإنقاذ . يغيب الإعلام الاستقصائي من صحافة، وإذاعة، وتلفزيون وهو من أنسب الانواع لهذه المرحلة بما يوفره من دعم سياسي وتأمين ثوري عبر فتوحات في الكشف عن المستور السياسي الذي ساد ولا نستطيع حتى الآن من سبر أغواره والبحث في شخصياته وتقاطعاتها مع ملفات الفساد والحكم غير الرشيد.
لماذا لا نقرأ في الفضائح والخروقات المالية في الصحف بنحو مكثف يشكل سياسة تحريرية لمعظمها؟ لماذا لا نسمع ونشاهد برامج تلفزيونية توثق للجريمة السياسية التي وقعت في الإنقاذ من يومها الأول حتى الأخير؟ كم يا ترى من موضوعات تنتظر البرامج و الأفلام الاستقصائية ولا نرى لها وجودا .
كل الوجود والقوة الإعلامية المسيطرة للأسف لعقلية هدم الدولة وليس بنائها بتفكيك الظلام استراتيجيا. المطلوب في تقديري تفكير إعلامي نقدي، مستقل، جديد ومناهج عمل حديثة، ومواكبة عبر قوة إعلامية جديدة ضاربة تتصف بعمق مهني مدرب وذكي يقلب الطاولة على القوة السابقة مشبوهة الارتباطات والمصالح، والتوجهات التكوينية بما ثبت وتأكد في عدم إجادتها لخوض بناء الدولة، وترسيخ قيم الديمقراطية، ونشر ثقافتها والتبشير بغد أفضل. ذلك ليس من واجبات خطة اعلامية رسمية فقط تدفع وتحث على إجراء التغيير في العقلية الإعلامية بقدر ما يصبح فعل يقظة ونهضة لا بد من حدوثه بشكل طبيعي متجذر في المجتمع الإعلامي القائم الذي وكأنه لا يزال يحمل صفات وعادات تفكير موحشة وقاتلة تتربص بالتحول الديمقراطي بعدم إجرائه الاستعدادات الثقافية والمهنية الحديثة، المنسجمة مع احتياجات المرحلة السياسية الجديدة ذات الحساسية الخاصة في هذا المنعطف التاريخي الهام من تاريخ السودان