يمثل ٣٠ يونيو ذكري عزيزة على كل الثوار ففي هذا اليوم قبل عام استعاد المدنيون زمام المبادرة بعد مجزرة فض الاعتصام وكابوس إغلاق الإنترنت وإغراق البلاد في ظلام دامس انقطعت به عن العالم ، كل ذلك تم بواسطة المجلس العسكري ، الذي سدر في غيه وتمادى حتى ظن أن أمر البلاد قد دان له ، ولكن الكنداكات والسمر أولاد النيل والغابة والصحراء ظهروا كأنما انشقت عنهم الأرض في يوم ٣٠ يونيو، خرجوا كطائر الفينيق ، وكانت مليونية لم يشهد الزمان مثلها ولن يشهد قريبا ، مليونية رتبت الواقع السياسي وأعادت الثورة إلى نقطة النصر على المخلوع ، وكان ثمرة كل ذلك توقيع الاتفاق السياسي وتعيين الحكومة الانتقالية .
بعد فض الاعتصام في العام الماضي ، كان هناك دافعا عظيما ملأ قلوب جميع السودانيين بالتحدي ، كانت هناك روح منكسرة داخل كل ثائر ، كان هناك شعور بالعجز بالغضب بالصدمة بالانتقام ، كان فض الاعتصام كارثيا وما تبعته من أيام مظلما كانت فوق الاحتمال ، كان الدم والرصاص هو العنوان ، لذلك رغم قطع الإنترنت رغم انعدام التواصل خرج الجميع ، وكل شخص يظن أنه سيخرج لوحده ، ولكن كل شخص كان مؤمنا بانه لوحده ثورة ، وأنه لوحده قادر على استعادة نفسه التي اضاعها فض الاعتصام ، وانشقت الأرض عن طوفان مستحيل ، الملايين تهدر في الشوارع كالبراكين المجلجلة، حرر الهتاف الجميع ، وولدت الثورة من جديد .
ولكن هل الواقع الآن يشابه ما كان عليه قبل عام ؟ هل ٣٠ يونيو اليوم هي نفسها قبل عام ؟ هل الدوافع هي ذات الدوافع ؟ لا ، لا ، تغير الكثير ، تحكم اليوم حكومة مدنية اختارتها قوى الثورة ، نعم تعاني الحكومة من ظروف اقتصادية غير مسبوقة ومن فشل ذريع في وزارات الداخلية والتجارة والصحة ، هناك ضعف وبطء غير مبرر في إكمال هياكل الحكم ، تعيين الولاة والمجلس التشريعي ، هناك سلام غير مكتمل ، صراع ايدولوجي مكلف ، ضجيج كثيف في الوسائط هو ضريبة الحرية الجديدة ، هناك تجمع مهنيين منقسم ، تجميد لقوة أساسية داخل قوى الحرية والتغيير ، هناك بعثة دولية وقضايا سد النهضة وتعويضات الأمريكان، هناك فيروس كرونا ، هناك الكثير ، هناك واقع جديد بالكلية .
هذا الواقع الجديد لا يحتمل مزيدا من المواكب التي لا تدري كثير من الجماهير التي تنوي المشاركة فيها هل هي مع الحكومة ام ضدها؟! ، هل هي مع الوثيقة الدستورية ام ضدها؟! ، هل هي مع استكمال الثورة أم مع تصحيحها وإعادتها لنقطة ٦ أبريل ؟! لا حاجة لموكب ٣٠ يونيو في ظل كرونا ، حتى لا نعرض مزيدا من الشعب لمشاكل صحية هو في غنى عنها ، أخطأ الكثيرون بالخروج في ٣ يونيو رغم المحاذير التي أطلقها الأطباء ، ولا داعي لإعادة هذا الخطأ .
البحث عن وسائل مبتكرة لإيصال الرسائل للحكومة يجب ان يكون هو الخيار ، رغم الفشل فهي حكومتنا وحكومة الثورة والحكومة التي سالت دماء عزيزة لتأتي ، رغم الواقع المزري ، الا انه واقعنا نحن ونحن من يجعله أفضل ليس بالمواكب ولا الثورات التصحيحية العنيفة وإنما بالعمل الجاد على كل المستويات والتعاون والتجاوز والتنازل من أجل أن نصل جميعا إلى وفاق مدنيين وعسكر وحركات مسلحة، هذه الأرض لنا ، ولن يبنيها غيرنا ، فإما أن نواصل الصراع حتى نقضي على اخضرها ويابسها او نعيد الصلات في الوطن ونعمل لوحدة حقيقية بين كل فئات الثورة من أجل إنجاز كل الملفات المعطلة ، والصبح لا محالة ات والشمس أقرب إلينا من الظلام ونحن لها .
sondy25@gmail.com