دفعت الاحتجاجات الشعبية، التى انتظمت المدن الرئيسة
فى أميركا – نتيجة لمقتل جورج فلويد على يد احد رجال شرطة منيابوليس- الرأى العام
الأمريكي، لقبول أطروحات اليسار، فيما يتعلق بالقضايا العرقية والعدالة الجنائية،
علاوة على ضبط أداء الشرطة، بعد سنوات من التردد والانكفاء، وقد يكون الإعلام الحر
لعب دورا مؤثرا، للوصول لهذه النتيجة، على خلفية حساسية الأمريكيين تجاه المسائل
المتعلقة بالمساواة أمام القانون، لكن بلا شك فإن التأثير الأكبر جاء من سكان
البيت الأبيض، إثر استخدام الرئيس دونالد ترمب “خطاب كراهية”، ذو مفعول شديد
لإرضاء الحليف الانتخابى، داخل جماعات تفوق البيض واليمين المسيحي المتعصب.
وإن كان اليسار قد حصد بالفعل على نتائج باهرة، من
وراء الاحتجاجات الأخيرة، فإن حركة “أرواح السود مهمة”، تبدو أكثر الفائزين فى
صفوفه، تلك الحركة التى أسستها ثلاث نسوة أفروأميركانيات قبل سنوات، ردا على تبرئة
جورج زيمرمان، قاتل الصبى الأسود تريفور مارتن فى فلوريدا فى العام 2012، لم تجد
ترحيبا واسعا وسط البيض، لأن كثيرا منهم دمغها بالراديكالية والمنشقة، وأكثر من
ذلك أطلق بعضهم شعارا مضادا لها هو “كل الأرواح مهمة”!
برزت “أرواح السود مهمة”، كحركة حقوق مدنية ملهمة، فى
مواجهة عنف الشرطة الأمريكية ضد السود، ومضت متسقة مع الشعارات التى رفعتها، بخاصة
تعنت السلطات إزاء محاكمة الجناة من رجال الشرطة، الذين يقتلون السود، ما جعلها
تتصدر اليوم قائمة الحركات الاجتماعية والسياسية المؤثرة فى أميركا.
لقد أفلحت حركة “أرواح السود مهمة”، فى تغيير الطريقة
التي ينظر بها العديد من الأمريكيين البيض، إلى الشرطة وإلى قضايا السود عامة، ناس
من مختلف الخلفيات العرقية والدينية والسياسية، تجاوبوا بسرعة خلال الأسبوعين
الماضيين، لدعم الحركة، لدرجة أن سيناتورا من الجمهوريين، هو ميت رومنى، سار فى
مظاهرة شقت شوارع العاصمة واشنطن الأسبوع الماضى، وهو يعلن أمام الكاميرات صراحة،
أنه جاء لدعم برنامج الحركة.
وفى السياق أظهر استطلاع أجرته جامعة مونماوث، أن 76
في المائة من الأمريكيين، يعتبرون العنصرية والتمييز “مشكلة كبيرة”، بزيادة 26
نقطة عن عام 2015، ووجد الاستطلاع أيضا، أن 57 في المائة منهم، يعتقدون أن الغضب
الذى تفجر فى شكل مظاهرات قوية، له ما يبرره، وأظهرت استطلاعات مماثلة أن غالبية
الأمريكيين باتوا يعتقدون أن الشرطة تستخدم القوة المميتة ضد الأفروأمريكين، وأن
هناك الكثير من التمييز الممنهج ضد الأمريكيين السود في المجتمع، مثل هذه الآراء
الإيجابية لم تسمعها الحركة، عندما أطلت بوجهها منذ سبع سنوات.
ونتيجة لصرخة الحركة الجريئة، وتناغم رد الفعل الشعبى
معها، فى أعقاب قمع الشرطة للمتظاهرين، فى مختلف المدن الامريكية مؤخرا، تجاوب
المدعون العامون فى عدد من الولايات، ودونوا تهم ضد رجال الشرطة الذين شوهدوا على
أشرطة الفيديو، وهم يستخدمون القوة المفرطة، كما أنهم غضوا الطرف عن مخالفات
المتظاهرين، وأحجموا عن توجيه الاتهامات ضدهم، سواء لحظر التجوال أو انتهاك أوامر
التجمع غير القانونى.
وفى واشنطن يبدو رجال الكونغرس منغمسين الآن، فى دراسة
مشروعات قوانين تستهدف إصلاح الشرطة والنظام العدلى الجنائي ككل، وفى المقابل
أصدرت شركات ومؤسسات رياضية وفنية وتجارية – يقوم على كثير منها جمهوريون – قرارات
تتماهى مع أجندات الحركة التي لعبت دورا كبيرا فى حشد التأييد للمرشحة الديمقراطية
هيلارى كلينتون، بعدما وضعت نفسها كداعمة لشعاراتها، خلال الانتخابات الرئاسية فى
2016، فيما أدلى بأصواتهم لمنافسها ترمب، كل الذين يشعرون بعداء تجاه الحركة،
والذين يدافعون عن الشرطة على الإطلاق.
جو بايدن المرشح المنافس لترامب فى انتخابات هذا
العام، أعلن تأييده لبرنامج الحركة، باستثناء سحب تمويل الشرطة، فهل ستؤدى شعبية
“أرواح السود مهمة” لترجيح كفته، لا سيما وأن ترمب ووجه بعاصفة من الانتقادات، من
كبار السياسيين والعسكريين على حد سواء، بعدما جلب الجيش لمواجهة الاحتجاجات
الاخيرة.!
* محمد يوسف وردى
* صحفى و محلل
سياسى مقيم بواشنطن