كانت طقوسنا في الأفراح والأتراح في بدين بها أثر واضح من الوثنية والمسيحية: رسم الصليب على جبهة الوليد بنقط من دم الأم، وعلى صومعة تخزين الغلال (القسي/القسيبة)، والاستعاذة من الشر بعبارة “ماريا مي”، المتداولة في الكثير من اللغات الأوريبة المعاصرة، وأسماء ايام الاسبوع: سانتي ليوم السبت (القديس في الكثير من اللغات الأوربية هو سانت او سينت او سان) وكراقي ليوم الأحد (كرياكي باليونانية)، ومسوقو ليوم الجمعة، وتتألف الكلمة من شطرين هما مسي وتعني الصوم و”أوقو” وتعني “يوم”، ويوم الجمعة هو يوم الصوم في الكنيسة الشرقية.
والاحتفال بعاشوراء كان يتم قرب شاطئ النيل، حيث كانت العائلات تجلس في حلقات حول صحون الطعام الشهي، ولكن اول لقمة من كل صحن كانت تُرمى في النيل، النهر الإله، مصدر الخير الذي لابد من نيل “مرضاته”، وبعد دفن الميت، كانوا ينصبون على القبر مظلة من جريد النخل، وفي الأعياد يضعون التمر والكعك والحلوى قرب رأس الميت (القبر)، ولم يكن الناس بالطبع يدركون انهم يأتون شيئا يخالف صحيح الإسلام، فقد كان ذلك زمن يصلي فيه البعض وهم يقولون عوضا عن قراءة الفاتحة أو سورة: وو نور أي إقد إنّا مل أي كج إنا مل!! يا إلهي أنا نعجتك، أنا حمارك!! كان ذلك إسلام الأطراف القائم أساسا على قول الشهادتين واستيفاء الأركان الأربعة الأخرى، دون تمعن او تبصر.
كانت هناك ثلاث ممالك نوبية مسيحية في السودان: مملكة نوباتيا في الشمال وعاصمتها فرس، وفي الوسط مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا العجوز، وفي الجنوب مملكة علوة وعاصمتها سوبا، وكان بها وحدها 400 كنيسة، وحدث خراب سوبا على يد تحالف بين العرب والفونج بقيادة عمارة دنقس وعبد الله جماع حيث تم تدمير الكنائس والبيوت ونهب الأديرة لتأديب النصارى.
وتأثير الثقافة النوبية ما زال واضحا في عموم السودان الأوسط فغمس الطفل الوليد في النيل هو طقس التعميد المسيحي، وسير العرسان (السيرة) الى النيل لغسل وجهيهما بمائه طلبا للخصوبة (الذرية)، وكانت العادة عند المحس أن ينزل العريس الى النهر ويسبح فيه لبضع دقائق، وإلى يومنا هذا تقوم بعض النساء النوبيات بإلقاء مشيمة وأدوات تنظيف كل مولود في النهر.
هل أزيدكم من الشعر بيتا؟ جنيه الذهب “الأصلي” الذي تحرص نساؤنا على التزين به للولادة ،هو الذي يحمل صورة الملك جورج في جهة وصليب كبيييير في الجهة الأخرى باعتقاد انه يمنع “الكبسة” وهي علة “وهمية” تصيب النفساء وتعرضها للخطر، أما الجرتق في الزواج فهو طقس نوبي قديم، واصل الكلمة هو “جرتي” ويضيف النوبيون القاف المخففة والكاف في أواخر الأسماء للتعريف والتوكيد، وكان للجعران (الخنفساء) تقديس في الديانات النوبية القديمة، ولأنهم ظلوا موحدين أي مؤمنين بالإله الواحد باعتناق المسيحية لم يكن صعبا على النوبيين اعتناق الإسلام، ولم يكن غريبا ان الشيوخ النوبيين هم من نشر الإسلام في السودان النيلي.
ويعرف السودانيون مكانة الشيخ المحسي ارباب العقائد المؤسس الحقيقي لمدينة الخرطوم، وخوجلي وحمد في بحري (لارتباط النوبيين بالنيل استقر معظم شيوخهم في توتي)، وشارع النيل من برج الاتصالات حتى المقرن مسجل في خرائط الخرطوم باسم سواقي المحس، واعترف الاستعمار البريطاني بدور النوبيين في نشر الدين وتعمير المدن وأصدروا قرارا بأن يكون عمد (جمع عمدة) الخرطوم الأربعة من المحس او الدناقلة (ومع هذا لم نطبق نظام الكفالة على سكان المدن الذين نسوا جمائلنا عليهم ويقولون عنا: برابرة نص ديانة).