وصول طائرة من الدوحة الى الخرطوم اليوم السبت (٢٠ يونيو ٢٠٢٠) ، تحمل مساعدات ودعما طبيا من حكومة قطر وروابط مهنية سودانية ورابطة المرأة السودانية (سوا) ومؤسسة قطر الخيرية لمواجهة (كورونا) يشكل بمقاييس العلاقة (الباردة ) حاليا بين البلدين تطورا مهما وحدثا ايجابيا .
المأمول أن يفتح هذا التواصل في المجال الانساني بابا للتلاقي السياسي بين حكومتي السودان وقطر ، لتحقيق مصالح مشتركة،استنادا الى قيم الاحترام المتبادل.
معلوم أن العلاقة بين البلدين سادها برود شديد ،وكان متوقعا،بعدما أسقط الشعب السوداني نظام المخلوع عمر البشير بصورة شعبية باهرة ومدهشة ، فاجأت حكومات خليجية ودولية، وقد أشرت الى هذه الحقيقة في أحاديث الى عددمن الفضائيات الدولية خلال فترة الحراك الثوري السوداني.
نظام البشير (الإخواني) الظالم الفاسد كان يجد دعما من حكومة قطر ،وأيضا من حكومات السعودية والإمارات وغيرها،والمؤكد ان علاقات الدول المستقبلية لا تخضع لأسر الماضي بل تبنى على حقائق العصر،وخصوصا المصالح المتبادلة، واحترام خيارات الشعوب.
مهم جدا ان يرتبط السودان بعلاقات قوية ومتميزة مع السعودية وقطر والإمارات وكل دول الخليح ،اذ أن بيننا وبينهم الكثير من المصالح المشتركة.
أشير في هذا السياق الى أهمية الدور الكويتي،وهو دور متميز ومتفرد ، وقد قدمت الكويت دعما حيويا لشعب السودان عبر خطط شملت جنوب السودان قبل ان يستقل الجنوب بسبب سياسات البشير الطاردة.
أعتقد بأن تعزيز العلاقة مع الكويت وكل دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن يحظى بأولوية لدى حكومة السودان اذا التزمت بموجهات (اعلان الحرية والتغيير) الذي نص على بناء علاقات متوازنة بعيدا عن السقوط في وحل المحاور.
حقائق الواقع تقول للخليجيين إنه يوجد الآن نظام حكم جديد في السودان هو نتاج ثورة شعبية أطاحت حكم (الإخوان المسلمين) الظالم والفاسد.
أي أن الشعب السوداني أصدر حكما تاريخيا فأسقط نظاما ديكتاتوريا فاشلا، ما يعني أن تعيد قيادات وحكومات دول مجلس التعاون الخليجي قراءة الواقع السوداني الجديد قراءة واقعية، لا مكان فيها للعواطف والحسابات التي تصطدم بالواقع السوداني الجديد وبمصالح هذه الدول أيضا.
هذا الواقع لن يفرط فيه شعبنا لأنه ثمرة نضال استمر ثلاثين عاما وانتصر بدماء بناته وأبنائه وبدموع الأمهات والأرامل والآباء والشباب ، وانتصر ايضا بمواجع الجرحى والمفقودين وبتضحيات ونضال المغتربين والمهاجرين السودانيين في بقاع العالم .
قطريا،وقلت في مقال سابق وأكرر اليوم أن دولة قطر (بقيادتها وشعبها) قادرة أن تلعب أدورا حيوية وايجابية وفاعلة في مجالات التنمية والإعمار والاستثمار لمصلحة البلدين والشعبين.
مثلما ادعو قادة قطر الى مراجعة سجل العلاقة مع السودان للبناء على الايجابيات وتجاوز السلبيات التي شهدتها الفترة الماضية ، أقول مجددا لمجلس السيادة والحكومة الانتقالية وقوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية ) عليكم ان تدركوا أن مصلحة شعب السودان تكمن في اعادة بناء علاقات السودان استنادا الى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل .
أي ان مصلحتنا تكمن في بناء علاقات متوازنة مع كل دول الخليج والعالم ،ويشمل ذلك دولة قطر .
هذا معناه ضرورة أن يلتقط الجانبان السوداني والقطري الفرصة الذهبية التي أتاحتها أزمة (كورونا)
ليعيدا بناء جسور جديدة لعلاقة دبلوماسية وسياسية واقتصادية واجتماعية واعلامية وثقافية ورياضية (الخ) .
هناك ارث رائع وضخم من المحبة والاحترام بين الشعبين القطري والسوداني،وقد لعب أبناء السودان من الجنسين أدورا ريادية في هذا الشأن خلال سنوات الاغتراب، من خلال قدراتهم ومؤهلاتهم وكفاءتهم و عطائهم وأخلاقهم وتعاملهم الانساني الذي اكسبهم محبة القطريين واحترامهم.
وهاهي الروابط المهنية السودانية في الدوحة ورابطة المرأة تؤكد هذا الدور الريادي التاريخي حينما هب الجميع لدعم أهلنا في السودان عبر تبرعات سخية بالتعاون مع مؤسسة قطر الخيرية ، حيث نجحت روح (النفير) السودانية الكامنة في الأعماق في تجسيد تعاون مع مؤسسة قطر الخيرية،وطارت بموجبه طائرة الى الخرطوم نقلت الدعم الطبي لمواجهة تحديات (كورونا)
حكومة قطر تستحق التحية لأنها جعلت هذا الحدث ممكنا، والتحية مستحقة لكل العقول التي سهرت وعملت حتى تكللت هذه الخطوة بالنجاح ، وأحيي تحية خاصة في هذا الاطار الروابط المهنية السودانية ورابطة المرأة السودانية (سوا) .
وقد جاءت حملة بنات وأبناء السودان الناجحة التي حملت عنوان (ايدنا للبلد) لتجدد التأكيد على حيوية ادوار بنات وأبناء السودان المقيمين في الخارج ، بالأمس واليوم وغدا.
في هذا السياق، هل آن الأوان لتستأنف الخطوط الجوية القطرية رحلاتها بعد توقف طالت مدته منذ الفترة الأخيرة لحكم البشير ، لتحط طائراتها في مطار الخرطوم ومدن أخرى، لتدشن مرحلة تعاون وتفاهمات جديدة تشمل المجالات كافة.
– لندن
٢٠ يونيو ٢٠٢٠