السيد نصر الدين مفرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف إنسان نبيل الخاطرة لا شك. ولكني أخذت عليه أسلوبه القيادي بالانفراد بالقرار، أو بإعلانه، في تدبير أمر هذه الوزارة الحساسة في منعطف الجائحة. وهو المنعطف الذي القى بظل ثقيل على العبادة كما لم يفعل من قبل.
أخذت على السيد الوزير أنه أعلن عن بدء فريضة رمضان وحده. ثم أعلن عن إجراءات الحجر الصحي في دور العبادة وحده. ثم ها هو يعلن أمس الأول عن العودة المشروطة للحياة إلى هذه الدور وحده. وتساءلت عن أمرين: هل تداول الوزير مع أئمة المساجد ودور العبادة الأخرى حول الإجراءات التي انتهى إليها؟ هل خصبها بتغذية راجعة منهم بعد استماع جليل لهم؟ وهل خلت الوزارة من آلية لإعلان قراراتها من سوى الوزير؟
تشرق القيادة من أسفل لأعلى لا العكس. ويحب كل إمري أن يدلي بدلوه في اختصاصه. وأن يضع بصمته على مستخرج الاجتماع، أي أن يرى صورته فيه. ومتى احتكر القائد الكلمة وعطل مساهمة من هو قائم بأمرهم نفّرهم وأدوا ما عليهم من قرار الوزير بنفس طامة.
وتزداد أهمية إحسان القيادة بالاستصحاب في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خاصة. فلا أعرف إن كانت الدولة الحديثة قد أحسنت أبداً إلى طاقمها من الموظفين والدعاة والائمة والمؤذنين. ولا أعرف إن كانوا لقوا الجزاء المادي والمعنوي المستحق. فهم أهل وزارة معاد لا معاش كانت بذرتها عند مستعمر لم يكن ليكترث لدين من ركبهم استعماراً لأن معاده ليس معادهم. وأنشأ الاستعمار ثنائية في التعليم جعلت يد كلية غردون هي العليا والمعهد العلمي، مدرسة أكثر طاقم وزارة الشؤون الدينية، هي السفلي. ولم يجدوا من الاستقلال النصفة إلا حين تحالفوا مع رؤساء أو نظم جنحت للطغيان. وعرضت لهذا في كتابي “الشريعة والحداثة” وبصورة أوفي في أصله بالإنجليزية.
وتزداد أهمية الشورى مع هيئة الوزارة لأن الأمر من أعلى قد يجري على الوظيفة المدنية في وزارة المالية مثلاً ولكنه يكاد يستحيل في الوظيفة الدينية. فقد تُرْهب موظف المالية بخطر العدوى من الجائحة فيتفهم الأمر. ولا ينطبق ذلك حرفياً على القائم على الوظيفة الدينية الذي يتعزى بالتوكل وإن لم يعقلها. والموت يقع عنده من أجل في كتاب محفوظ. ولهذا وجدت إجراءات إغلاق دور العبادة في أمريكا معارضة أخذت فيها الكنائس رجال الدولة للمحاكم.
وما أعرف منظراً شهقت له مثل مرابطة مؤمنين كباريين في يوم كنسي مشهود خارج الكنيسة المغلقة التي اقتصر القداس فيها عل القساوسة لا غير. وبدا لي أولئك العُباد قد أخذوا على حين غرة لا يعرفون موضعاً غير الكنيسة في يومهم ذاك، وفي ساعتهم تلك، ولشعيرتهم تلك. وبدوا لي مثل يتامى. وتذكرون أن الرئيس ترمب طلب الزلفى لهذا الأرق الديني الذي أحدثته الكورونا فجعل العبادة في دورها عملاً لا مندوحة منه مثل عمل الجيش الأبيض تماماً.
كتبت هنا احتج على إمام حارة ما في الثورة أمّ صلاة العيد ضارباً عرض الحائط بالحجر الصحي. ولكني تساءلت أيضاً إن كان الوزير قد اجتمع بمثله للتداول حول تعطيل الصلاة في يومها ذاك بالنسبة للجائحة، أو أدائها كل باجتهاده في حفظ التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات. ولم يعتبر ذلك الإمام بأي من ذلك كله. ولو كان الوزير تعاقد معه على المحاذير وترك له ولغيره من الأئمة الإبداع في إطارها لما شفقنا على مصليّ ذلك الجمع.
للمعاد اشواق. وله توكل وفدائية. ولم أسعد بإرجاع النور حمد خرق بعض أهل المعاد لمحاذير وزارة الصحة إلى عقلنا الرعوي. فهذا تبسيط لديناميكية التقوى وجبر الطقوس. وربما لا احتاج للقول إن أهل المعاد في أمريكا فعلوها لبيان جبر المعاد إلا مضطراً.
IbrahimA@missouri.edu