أخطأتم يا شباب!!.. لِمَ هذا التأريخ يا لجان مقاومة الأحياء الأشاوس؟!.. يا من تمثلونني وتمثلون السواد الأعظم من أبناء وبنات وآباء وأمهات هذا الشعب الواعي.. أنسيتم أن همّنا الأكبر هو سلامة إنسان السودان الجميل؟ هل تكون نتيجة كسر محاذير الصحة في هذا التوقيت إلاّ ازدياد تفشِّي جائحة كورونا فينا وحصد أرواحنا ومن نُحب؟! وتعريض بلادنا لمضاعفة خطرٍ قاتل لا يعرف كبيراً أو صغيراً.. صحيحاً أو عليلاً.
الثلاثون من يونيو هو أبغض أيام هذه الأمة على الإطلاق، ويوم شؤمٍ عليها.. إذ انقلبت فيه عصابة الجبهة على السلطة وأذاقتنا من المرارات والجوع والإذلال ما لن يفعله بنا أحد من بني البشر قاطبة (ولا نقول بني جلدتنا فحسب) .. ولن نستثنى إلاّ ذلك اليوم (30 يونيو) من العام الماضي.. فقد خرجت المليونيات الهادرة تشجب وتدين مجزرة فض التعتصام وترسل رسائل قوية للحكومة البائدة والتي لم تكن قد سقطت بعد في (يوم ذكرى ثورتها الملطخ بالدماء) .. وقد كانت لتلك الحشود الغلبة في أن تكسر القيد وتزلزل الأرض من تحت أقدام الإسلامويون ولا عجب.
ودون الخوض في أسباب المطالبة بالخروج الآن.. دعونا نُقِرُّ أولاً بأنّ هذه الحكومة هي حكومتنا المدنية التي طالما حلمنا بتشكيلها رغم عِلاّتها، والتي تواثقنا حولها وابتلعنا التحفظّات على ما فرضته جولات التفاوض العسيرة المرهقة لحقن دماء أبنائنا ويناتنا (التي لن تذهب سدىًّ دون محاسبة)، هذه الحكومة التي لا ينكر إلاّ مكابر بأنها ولدت وهي في ظروف صعبة للغاية، وظلت تعمل وفق أضابير محفوفة بالمعيقات التي نعرف جيداً أشكالها وأهدافها والجهات التي تضعها في طريق الخلاص الشائك.. وعطفاً على ما سبق فلابد لنا من تفويت الفرصة على الثورة المضادة من إيجاد مناخٍ خصب جديد لإحداث الفوضى العارمة حتى يتم بعدها الإعلان عن موت الديمقراطية في مهدها ويأتينا (من يمتطي دبابته مدعياً إنقاذنا للمرة ثانية من شر الوقوع في حربٍ أهلية) لا قدّر اللّٰه.. ونحن لم ننتهي بعد من خفايا (الإنقاذ – 1) فماذا بربكم ستفعل بنا (الإنقاذ – 2)؟؟
أحبتي في لجان مقاومة الأحياء وحماة ثورتنا المجيدة الظافرة الحقيقيون.. تعرفون جيداً الفرق بين المقاومة والإصلاح.. ونحن هنا بصدد “إصلاح حكومتنا” وتقويمها لا مقاومتها والإنقضاض عليها.. فقد كتبتم فيما مضت من أسابيع رسالة قوية للجنة التحقيق في فض الإعتصام.. (وكلنا مستاؤون من التلكؤ والغموض الذي صاحب عملها).. ولكنهم قبل يومين قاموا بالرد عليكم وأوضحوا بعض أسباب ذلك التأخير.. وهذه في حد ذاتها محمدة وخطوة إيجابية في الطريق الصحيح كونهم يبنون جسوراً من التواصل معكم وينتهجون الشفافية التي غابت عنا لعقود.
كما أننا نرى جهود لجنة تفكيك التمكين ونتاج عملها الدؤوب رغم المتاريس وكيف أصبحت تُطْلِعُنا على ملفاتٍ ساخنة وتكشف الغموض عن (فضائح مجلجلة) تغبط بها نفوسنا.. ورئيس الوزراء وفريق عمله لا يألون الجهد في إنجاز مهامهم الإنتقالية ومعهم الشق العسكري من الحكومة (والذي لا أجد في نفسي راحة لمدحه أبداً) يحاول إثبات تفاعله وتعاونه.. رغم أننا لا ننسى أنهم فرضوا أنفسهم في الحكومة الإنتقالية لحماية مكتسبات ثورتنا ولم يفعلوا ما كنا نتوقع في العديد من المواقف لا سيما الشرطة التي بدا تقاعسها عن أداء عملها في حماية ممتلكاتنا وأرواحنا في العديد من الأحداث..
عموماً هذا الجانب من الإحباط يعيدنا إلى دوركم المتعاظم في حماية ثورتكم وأحيائكم ويدعوني لرجائكم بتحكيم صوت العقل.. ومراجعة قراركم الذي اتخذتموه بتوقيت هذا الخروج غير المناسب.. إذ يمكنكم تقويم الحكومة بمخاطبتها وانتقاد سلبياتها علناً وحل خلافاتها الداخلية من أجل مصلحة البلاد والعباد، وهذا ما تتيحه لكم الحريّة التي انتزعتموها بثورتكم (فالحكومة تسمعكم وقطعاً ستجيب عليكم) وتستطيعون الوصول اليها بأقصر الطرق.. ولكم حق المطالبة بإقالة كل من ترون أن أداءه دون تطلعاتكم وتعيين من هو اكفأ وأجدر.. (ويا حبذا لو طالبتم بإقالة وزير الداخلية المتخاذل كأول خطوةٍ للإصلاح)!!
وأختم لكم في هذا السياق يا أسود لجان مقاومة الأحياء ببعض المعلومات التي قد تعينكم على تحسُّس خطوتكم المقبلة.. هل تعلمون أن من صميم صلاحيات معالي رئيس الوزراء ما يأتي:
[1] تحت باب “أحكام متفرقة”، المادة 74 من الوثيقة الدستورية النص الآتي:
“باستثناء السلطات والصلاحيات الممنوحة لمجلس السيادة بموجب هذه الوثيقة الدستورية، تؤول كل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية ذات الطبيعة التنفيذية الواردة في أي قانون ساري لرئيس مجلس الوزراء”.
[2] وفي البند 36 (1) من الوثيقة يوجد نص صريح بخصوص قوات الشرطة يقول: “قوات الشرطة قوات نظامية قومية لإنفاذ القانون، وتختص بحفظ الأمن وسلامة المجتمع، وتخضع لسياسات وقرارات السلطة التنفيذية وفق القانون”.
[3] وعلى حسب الفصل الخامس المعدل في قانون الشرطة لعام 2008م البند الأول نص: “تكون قوات الشرطة تحت القيادة العليا لرئيس الجمهورية”، وبحسب الوثيقة الدستورية فإن صلاحيات رئيس الجمهورية كلها قد آلت لرئيس الوزراء.
وعليه فبإمكاننا الضغط الآن ومطالبة رئيس الوزراء باستخدام صلاحياته وإقالة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة (المحسوب على الإنقاذ) وتعيين أحد شرفاء الشرطة ولو من المعاشيين حتى يتم تطهير هذا الجهاز الهام من أذيال الكيزان وجعله أداةً وطنية قوية لمساندة حكومتنا في هذه المرحلة الحساسة.