بسم الله الرحمن الرحيم
قضى الله علينا أنا وأسرتي بالإصابة بوباء كورونا وخضعنا للحجر المنزلي لمدة ثلاثة أسابيع – الأسبوع الثالث كان تبرعا منا لزيادة الاطمئنان على الشفاء.
إننا نشكر الله الذي قدَّر لنا الإصابة ووفقنا على الرضا بحكمه والصبر على قضائه، فهو القائل:” وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”
ونشكر جميع الأهل والجيران والأصدقاء والأحباب والمعارف؛ والذين تعاطفوا معنا من غير معارفنا على وقفتهم معنا ودعمهم المعنوي لنا مما خفف من مصابنا وساعدنا على تجاوز المحنة.
إنني أسجل من تجليات هذه الإصابة الآتي:
أولا: وفقنا الله على التعامل مع هذا الابتلاء برضىً تام وتقبُّلٍ لحكم الله بكل سرور. فكان لسان حال الجميع:” فأَمْرُنا بيدك وخلاصنا عندك يارب العباد، وقد فوضنا أمرنا إليك فأحسن حالنا فيما يرضيك” ولم يظهر من أي واحد ولا واحدة من أفراد الأسرة أي تبرم ولا ضجر؛ بل الأطفال منهم اعتبروها طرفة يتسامرون بها فعندما يتصل بهم واحد من الأهل يضحكون ويقولون لهم لا تأتوا إلينا نحن مُكُورْنِينْ!!!
إن الرضا بقضاء الله مزية لا يوفق لها إلا من أعانه الله، فنحمد الله على عونه ونشكره على نعمه المتواترة علينا.
ثانيا: من مزية هذه البلية أنها أتاحت لنا فرصة الخلوة المنزلية والقرب من الأسرة – بالرغم من التباعد المطلوب – وهي مزية يحتاجها الإنسان من وقت لآخر خاصة للذين يعملون في المجال العام الذي في الغالب يكون على حساب أسرهم بحرمانهم من حقوقهم الأبوية.
ثالثا: من فضل الله كان الحجر خلوة للمراجعة والتأمل والقراءة فقد كان فرصة للانتظام في “السُّبُعْ” وهذا يعرفه الذين درسوا في الخلاوي، وبفضل الله قمت بمراجعة وإعادة قراءة عدد من الكتب منها:1- القيم الحضارية في الإسلام للدكتور عبدالفتاح الخطيب؛ وهو كتاب أنصح كل من يريد المقارنة بين القيم الإسلامية والقيم الغربية أن يقتنيه فهو كتاب تأصيل ومعاصرة وابداع؛ كتبه مؤلفه بأسلوب ماتع لا يمله القارئ، وكذلك 2- كتاب “في الشخصية السودانية” للبروفيسور محمد إبراهيم أبوسليم الذي أرجع عوامل تشكيل الشخصية السودانية إلى عاملين العامل الأول:
البيئات المتعددة: الأنهر والسهول والجبال وتداخل الأطراف مع الدول المجاورة وهجرة الأجناس المتعددة من حضارات متنوعة؛ هذه البيئات شكلت الشخصية السودانية في تفردها الثقافي والاجتماعي ونظمها وعلاقتها مع غيرها،
والعامل الثاني: البعد الحضاري الأوسع الذي يربط بين هذه البيئات؛ مما أعطى الشخصية السودانية بعد الالتقاء بالغير والعيش معه دون تضحية بالفردية أو المزاج الخاص أو الشعور بالمحلية والاعتزاز بها.
3-والكتاب الثالث هو كتاب متخصص في أصول الفقه بعنوان: “التجديد والمجددون في أصول الفقه” تأليف أبي الفضل عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم؛ وهو كتاب مهم لأهل التخصص؛ لأنه بين فيه بالأدلة المقنعة ضرورة التجديد في الفقه وأصوله لإعادة الحياة لهذين العلمين ليتجاوبا مع مستجدات العصر.
4- كتاب “حرية الفكر في الإسلام” للشيخ عبدالمتعال الصعيدي؛ الذي بين فيه ما كفله الإسلام من حرية فكرية ودينية وعلمية؛ تنفي القيود التي فرضها مقلدة العلماء على الساحة الدينية. 5-“علاقات الرق في المجتمع السوداني” للأستاذ محمد إبراهيم نقد؛ وهو كتاب مهم عالج ظاهرة اجتماعية سالبة لا زالت تلقي بظلالها في علاقات الناس في المجتمع السوداني، والكاتب موسوعي المعرفة ومنصف صحح كثيرا من المفاهيم التي يروجها أنصاف المثقفين وحاطبو الليل الذين لا يميزون الخبيث من الطيب، وهو كتاب لا زلت أواصل في قراءته؛ لأنه يتجاوز الأربعمائة صفحة ويحتاج لقراءة متأنية. فمن مزايا الحجر أنه أتاح لي خلوة ثقافية وفكرية وروحية ولله الحمد.
رابعا: لقد أظهرت لي هذه الإصابة محبة الناس بصورة أدهشتني فالاتصالات والرسائل والدعوات أبرزت مشاعر صادقة غمرتني بدفيء المشاعر وصدق المحبة؛ بل هنالك من دخلوا في دعاء منتظم، ومنهم ذبح الذبائح تقربا إلى الله بنية الشفاء، ومنهم من نذر أن يقدم لله قربانا إذا شفي العبد الضعيف وأسرته. ووردتني اتصالات ورسائل من أناس لا أعرفهم من داخل السودان وخارجه، وكثير من أصدقائي غير السودانيين عبروا عن مشاعرهم الصادقة تضامنا معي فجزى الله الجميع عنا خير الجزاء ونحن لهم شاكرون الشكر الجزيل.
خامسا: نصيحتي لما ابتلاهم الله بهذا الوباء ألا يقلقوا ولا يضجروا ولا يسمحوا لليأس أن يتسرب إلى نفوسهم، فالبلاء وسيلة لزكاة الجسم والتطهر من الذنوب ورفع للدرجات، فبعد الرضا بقضاء الله وأخذ الاحتياطات اللازمة وتنفيذ توجيهات الأطباء؛ أنصحهم أن يأخذوا بالوصفات البلدية: القرض تبخرا والقرض مع زيت السمسم أو الزيتون مسوحا، والعسل مع الحبة السوداء الكمون (حبة البركة)3- ملاعق في اليوم. والنيم مفيد للحمى فراشا وغطاء. والليمون مع النعناع عصيرا. مع الراحة التامة والذكر والدعاء والتضرع إلى الله اللطيف الحليم.
أخيرا أشكر جميع الأصدقاء والأحباب والمعارف وجميع من اتصل أو أرسل أو سأل عنا أو دعا لنا فبفضل الله ثم بدعائكم وتضرعكم ومشاعركم الصادقة عوفينا تماما من العلة، وأطمئنكم أننا جميعا بصحة تامة وعافية فلله الحمد والشكر.