تلجيم أفواه منسوبي الحكومة الإنتقالية من وزراء وكبار مسئولين بالإضافة إلى مُناصري ثورة ديسمبر المجيدة وحكومتها الإنتقالية ، و(تهديدهم) بالإتهام بالتقصير والتهاون وعدم الكفاءة حال ما صرَحوا أو أشاروا إلى أن أهم معوِّقات تنفيذ مُخطَّطاتهم وبرامجهم هي الدولة العميقة للنظام البائد ، والتي ما زالت متغلغِّلة وقابعة في كثيرٍ من مفاصل الدولة وخارجها ، هو في الواقع أحد أدوات الحرب على الثورة وواحد من أدوات عكس الصورة السلبية عن الحكومة لدى الرأي العام وهو في حد ذاته (حجرٌ) غير شرعي يمنع الإشارة إلى (العدو) الحقيقي الذي يتصدى لمسار الثورة نحو تحقيق غاياتها ، وفي ذات الوقت هو السبب المباشر عن كل تقصير أو تأخير يحدث في تحقيق مطالب الثوار وتنفيذ مصفوفة مهام الحُكم الإنتقالي.
مؤامرات فلول الإنقاذ البغيضة التي ما زالت تُجاهر بإثناء منسوبي حكومة حمدوك أو حتى أثناء الإعلام الثوري عن الحديث حول تركة ثلاثين عاماً من التخريب والدمار والتمكين للفساد وهدم مؤسسية الدولة لصالح التنظيم السياسي بدعوى أن الدولة العميقة مجرَّد (شماعة) للتنصُّل عن الواجبات والإلتزامات ، هي في الحقيقة (مصيَّدة) تستهدف مطالب الثورة وشعاراتها العادلة وتدعو الجميع ما فيهم الشعب السوداني إلى (مُطاردة) وتحليل الأسباب الثانوية أو غير الحقيقية للفشل ، ومحاولة لجّْر الحكومة إلى مستنقع الإحباط ثم إعمال الوقيعة بينها وبين الشارع الثوري ، ثم يطلبون منها أي الحكومة أن (تُعمي) و(تُغيِّب) الشعب السوداني عن الإطلاع على دور الدولة العميقة وبقية فلول النظام البائد ومن خلفهم منظومة العسكر من الذين ما زالو يوالون التنظيم السياسي البائد ويقدِّمون مصالحه ومصالح قياداته على مصلحة الوطن والأمة فيما يحدث الآن ، لذا وجب على الإعلام الحُر والنزيه أن يواجه الفلول ويقف في وجه مُخطَّطهم الرامي إلى (تقزيم) صعوبات تطويع ومحاربة الدولة العميقة وإختصارهُ تحت مصطلح (شماعة) تستغلها الحكومة الإنتقالية لتُبرِّر به تقصيرها أو تأخرها عن إنجاز مهامها.
يجب أن لا نسمح بذلك لأن محاولة توجيه الرأي العام والتأثير عليه بأن أمر محاربة الدولة العميقة ووقوفها في وجه حكومة الثورة وأهدافها وشعارتها وتصويرهُ كأنهُ مُجرَّد (وهم) أو خيال أو شماعة ، فيه إشارة واضحة إلى أن ثورة ديسمبر المجيدة نفسها قد إندلعت ضد (الوهم الذي لا وجود له) ، لن يقنعونا ونحن أبناء الشعب السوداني الذي أبهر العالم وعياً وحِساً وطنياً سابقاً لحكوماتهِ ومؤسساته الوطنية ، بأن ما تم بناءه على مدى ثلاثين عاماً من أدوات لا هدف لها سوى (إغتيال الآخر) وتكبيلهُ عن التعبير عن ذاته وطموحاتهُ ، يمكن بكل سهولة هدمهُ في أقل من عام هو جُل عمر حكومة حمدوك التي يتسارعون ويتبارون لمحاسبتها وتقييم أدائها ومعهم معشر أحزاب المُحاصصة وبقية الطامعين.
من وجهة نظري الشخصية أنهُ لم يحِن الأوان بعد لتقييم أداء وزراء الحُكم الإنتقالي ، وإن جاز هذا التقييم فلا أرى فيهم جميعاً غير الكثير من (النجاحات) و(الإشراقات) البائنة التي لا تقبل الشك ، والتي لم يضيرها سوى تأخرها عن الإنعكاس في الواقع المُعاش لعامة الناس ، وأن هذه النجاحات في الحقيقة تُمثِّل (البنية التحتية) الواجب توفُّرها للوصول إلى مرحلة جني الثمار وإستفادة المواطن من ما يتم إنجازهُ في واقعهُ المُعاش وهو ما أراهُ سيكون قريباً بإذن الله.
واحدة من أسباب مُشكلات سودان الأمس الموسوم بالتأخُّر والفشل السياسي والإداري والإقتصادي ، محاولة مُعالجة ضعف الأداء العام عبر تبديل الأشخاص وعدم الخوض في معالجة جذور العوائق والعقبات ، فالأزمة الإقتصادية وعجز وزارة المالية هو أحد (العوائق) الحقيقية في إنجاز الكثير من المُخطَّطات الإصلاحية لكثيرٍ من الوزارات ، فإنجاز وتنفيذ الخطط بما يفيد (حُسن الأداء) ، إن لم يُدرج في الموازنة العامة وإلتزمت وزارة المالية بدفع مستحقاته في زمانهُ المُحدَّد ، يصبح مُستحيلاً بحتاً مهما بلغت كفاءة وقُدرات ونزاهة و(حماس) الوزير أو المسئول ، مُخاطرة كبرى أن يتم اللجوء إلى تعديل وزراي في الوقت الراهن ، وخطأ فادح أن تبدأ من جديد وتتحمَّل كحكومة خسارة ما أكتسبهُ الوزارء الحاليين من خبرة قاربت العام فيما تمُرُ به دولة المؤسسات الوليدة من تعقيدات ومُلابسات ومؤامرات وصراعات البناء والتغيير في وزاراتهم ومؤسساتهم وذلك لمُجرَّد أنهم (يتمرحلون) بالإصلاح وإعادة البناء قسراً وجبراً بحسب ما تقتضي طبيعة الأشياء والواقع الإستثنائي المُتمثِّل في (فناء مؤسسية الدولة) بالقدر الذي يجعلهم وكأنهم يهدمون ويزيلون أنقاض ما مضى من فساد ، ثم يشِّمروا ليبدأوا بناء دولة المؤسسات والعدالة والقانون.
إن كان التعديل الوزاري المزعوم أو المُرتقب ذو علاقة يترتيبات تحقيق السلام فلا ضير من ذلك لأن الضرورات تُبيح المحظورات خصوصاً حينما يتعلَّق الأمر بوحدة السودان ورفاهية شعبه المرتبطة بإستتباب الأمن والسلام في كل ربوعه ، أما أن يكون مدخلهُ تقييم الأداء في هذا الفترة الوجيزة بالنسبة إلى ضخامة المهام وتحديات المرحلة فلست من المؤيدين ولا من الناصحين بذلك على الأقل في الوقت الراهن حتى لو كان ذلك من باب (جِناً تعرفو ولا جِناً ما بتعرفو).