نجح مؤتمر شركاء السودان في برلين اليوم (٢٥ يونيو ٢٠٢٠) ، و شكلت مداولاته تظاهرة سياسية واقتصادية غير مسبوقة ، داعمة للسودان الجديد، وأرسلت وقائعه في الوقت نفسه رسائل الى بريد جهات عدة.
أبرز ثمار المؤتمر لا تكمن في التعهدات والالتزامات المالية فحسب رغم أهميتها (نحو 1.8مليار دولار) ،بل تتجسد في هذا الاحتضان العالمي الحميم لثورة شعب السودان السلمية وارتياد آفاق الانفتاح والتواصل والتعاون مع العالم .
الشباب السوداني من الجنسين الذين تصدروا مواكب الثورة سجلوا حضورا حيويا في كلمات وزراء اوروبيين شاركوا في المؤتمر، وشكل التشديد الدولي على الاهتمام بالمجتمع المدني في السودان عنوانا من أبرز عناوين المؤتمر.
من المشاهد المؤثرة ما جاء في اطلالة عاطفية للأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيريش،الذي تحدث عن (الشعب السودان الرائع الكريم ) في سياق معايشته للسودانيين عندما كان مسؤولا عن اللاجئين، وأشاد ب (كرم وسخاء السودانيين).
مواقف غوتيريش اكدت أهمية ما شدد عليه رئيس الحكومة الانتقالية دكتور عبد الله حمدوك بشأن سعي السودان الى (شراكة) مع دول العالم ، وهذا موقف مهم ضرب على ادوار ه عدد من رؤساء الوفود.
السودان يحتاج الى شراكات لأنه زاخر بموارده الزراعية والحيوانية والمعدنية والنفطية والغازية في باطن الأرض، أي أن لديه ما يقدمه في اطار تحقيق المصلحةالمشتركة مع دول العالم .
السودان الجديد محل اهتمام أوروبي ملحوظ،وتأتي المانيا وبريطانيا وفرنسا في صدارة الدول التي تسعى الى شراكات حقيقية، خصوصا ان أوروبا تحترم الحريات وحقوق الانسان،وسعيدة ببزوغ فجر الحريات في السودان ،وتدعم الانتقال الى مرحلة الانتخابات.
دول عدة شددت على دعمها المسار السوداني في هذا السياق،وهي تعلم ان السودان الجديد وضع حدا لعلاقة النظام السابق مع الارهاب ،ويهم أوروبا وأميركا دعم السودان ليكون مصدر استقرار في المنطقة والعالم.
الممثل السامي للاتحاد الأوروبي أرسل رسائل مهمة الى السودانيين،اذ دعا القوى السياسية كافة الى دعم حمدوك ، وحض الجيش على حماية الفترة الانتقالية .
المسؤول الأوروبي دعا أيضا (القوى المسلحة الى ان تكون جزء من السودان الجديد)،كما دعا قوى الحرية والتغيير الى المحافظة على تماسكها .
شدد أيضا على أهمية أن تجد فترة الانتقال الراهنة في السودان الدعم الكامل، ليتم الانتقال الى مرحلة الانتخابات.
المانيا – التي أحيي جهودها التي أسفرت عن نجاح المؤتمر – أعلنت على لسان وزير خارجيتها (أننا نريد اليوم الوفاء بوعودنا)وأكد ت اهتمامها بتخفيف الديون المتراكمة (منذ فترة حكم النظام الديكتاتوري وبلغت قرابة ستين مليار دولار)، كما شددت برلين على أن يكون (المؤتمر بداية شراكة دائمة خلال الفترة الانتقالية).
عناوين مهمة جاءت على ألسنة وزراء وشخصيات دولية ومن أهمها اشادتهم بثورة السودان وقيادة دكتور حمدوك للفترة الانتقالية، وأهمية احلال السلام، والشفافية، والعدالة الانتقالية، والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية (بشأن جرائم ارتكبت في دارفور)وضرورة رفع العقوبات الأميركية عن السودان، والدعوة الى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، والتأكيد على أن نجاح السودان يتوقف على (عوامل محلية وخارجية) وهذا كلام صحيح،وعلى السودانيين قراءة أبعاده .
أرى أن أهم عامل محلي لانجاح الفترة الانتقالية يكمن في ضرورة تماسك الحاضنة السياسية للحكومة(قوى الحرية والتغيير) لأن مناكفاتها تضعف الحكومة.
هذا معناه ان الشراكة الدولية تحتاج الى تعزيز الشراكة المحلية بين القوى السياسية السودانية ، وعدم نقل خلافاتها وخلافات تجمع المهنيين المؤسفة الى شباب الثورة الذين شكلوا لوحة سودانية تعددية جميلة في موقع الاعتصام .
أرى أن بعض العوامل المحلية المؤدية لنجاح السودان في الاستفادة من نتائج مؤتمر (الشركاء) تكمن في ضرورة ادخال اصلاحات شاملة وسريعة في مجالات الاقتصاد والتشريعات عموما واعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية ووقف التدهور المعيشي ومكافحة الفساد ومحاكمة متهمين بارتكاب جرائم قتل أو سرقة للمال العام .
مؤتمر (الشركاء) حقق نتائج باهرة من خلال مواقف سياسية ايجابية وتعهدات مالية على طريق (الشراكة) بعيدة المدي،وفتح أوسع أبواب التواصل مع دول كبرى وحيوية في العالم بعد سنوات من القطيعة بسبب سياسات النظام السابق الذي أدخل السودان في عزلة ضارة ومدمرة ، وكان منبوذا،وهاهو السودان يطل بوجهه الجديد الذي يعكس سمات أهل السودان .
وقائع المؤتمر ونتائجه المهمة هي نتاج ثورة الشعب السوداني السلمية ، وثمرة لجهود رئيس الحكومة دكتور حمدوك ووزير المالية دكتور ابراهيم البدوي ومعاونين وجهات عدة داخل وخارج السودان .
هذا النجاح يرسل رسائل الى السودانيين كافة، في سبيل تأمل خطاهم ومواقفهم ،كي تجد الحكومة الدعم والسند المتنامي والنصح والتنبيه الى مواقع القصور والسلبيات ، كي يقطف الشعب ثمرة التضامن الدولي غير المسبوق .
أقول للحكومة مجددا ان المحك الأهم رغم نجاح مؤتمر (الشراكة) يكمن في أن يحس المواطن أن حكومته تعبر عن نبض ثورته بسياسات وخطوات وايقاعات أسرع و أن تلتزم التزاما صارما بشعار الثورة (حرية، سلام ،وعدالة) وأن تركز على رفع المعاناة عن كاهل الشعب الذي يطحنه غلاء المعيشة حاليا وانعدام الدواء على سبيل المثال، وأن تخطو خطوات عملية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم قتل وفساد مالي .
هذا بعض المفاتيح المهمة لانجاح (الشراكة) مع شركاء دوليين، في عالم يتمسك بالعدالة الانتقالية باعتبارها من أهم عناوين التحول من أوضاع القمع والفساد الى آفاق التحول الديمقراطي ومناخ الحرية والشفافية .
محمد المكي أحمد – لندن
٢٥ يونيو ٢٠٢٠