يخطئ من يقرأ مؤتمر شركاء السودان الذي جرت وقائعه امس بمشاركة فاعلة ﻵكثر من اربعين دولة علي أنه مؤتمر للمانحين أو أنه النموذج المدني للتسول علي موائد المانحين بطريقة مغايرة لما كانت تمارسه اﻷنظمة السابقة، قلت لايمكن أن تكون رؤية من ذهب بقراءته للمؤتمر علي ذاك النحو صحيحة لعدة أسباب منطقية إذ لايعقل أن تظل قراءتنا متخلفة عن ركب التحول الذي يجري اﻵن من ترتيب ﻹستعادة السودان لعافيته بالتخلص من كل العقبات والعوائق التي جعلته حبيسا لعقود وقيدته ثم جعلت صورته مشوهة في مخيلة دول العالم أجمع.
لايعقل أن نقرأ المؤتمر علي أنه توافق دولي لمساعدة السودان وتصحيح مساره اﻹقتصادي وإنما الصحيح أن نري المؤتمر كإجماع عالمي وأتفاق بين دول العالم علي منح السودان شهادة التعافي من اخطر اﻷمراض ، فالأمر ليس كما يظن البعض مليارات من الدولارات وملايين من اليوروهات ولكن اﻵمر في حقيقته قناعة دولية بحقيقة التحول وأقتناع تام بنجاح الثورة وإعلان موقف عالمي للشاركة الكاملة مع دولة ذات مجد تستفيق من جديد وتنهض بعد سنوات طويلة من اﻷمراض المزمنة، وليس مهما عقد المقارنات بين ارقام الملايين او المليارات الممنوحة او الديون المعفاة وإنما المهم التركيز علي الحرص والإرادة القوية واﻹهتمام العظيم لدول العالم بما يجري في السودان من ثورة راغبة في إقتلاع كل اساليب الفساد السياسي والثقافي واﻹجتماعي واﻹقتصادي وإعتماد الشراكة اﻹيجابية النظيفة في كافة اﻷنشطة بلا إستثناء.
مؤتمر برلين شهادة من دول العالم لسودان يجتهد في تحقيق التحول الديمقراطي وإنجاز الحكم المدني وتأسيس دولة ناهضة بالعلم والعدل والسلام والحقوق المتساوية، دولة المواطنة والهوية السودانية الواحدة ، ولطالما أنها تراهن علي فكر وإبداع الشباب واﻹجيال التي لم تتلوث بجرثومة العنصرية والطائفية والقبلية ، بل تعتمد علي العلم والتكنولوجيا والقناعات الراسخة بأن لا مستحيل تحت الشمس..
لم تعد الرؤية للواقع واضحة لمن يحتفظون بنظارات سميكة ملطخة بأدران عهود الظلام أو يحتكمون لعقول ظاهرة مازالت اسيرة ﻷوهام راسخة في عقلها الباطن والذي يدين بالولاء الخفي لمرجعيات العهود المقتلعة..
المرحلة اﻵن مرحلة أصحاب النظر الحاد والتقييم المحاييد والقراءة المجردة من الهوي والغرض والحسد..
ولذا نجدد القول بأن مؤتمر برلين ليس عطايا ومنح وتسول او تعاطف من المانحين وإنما هو شهادة عالمية تحدث عن تعافي السودان وتخلصه من امراضه وأوجاعه المزمنة ليكون بهذه الشهادة مؤهلا للشراكة والمشاركة كدولة فاعلة في كل انشطة العالم المعاصر يبني واقعا جديدا ويؤسس لمستقبل مشرق.