هل كنا نطمع في أكثر مما خرج به مؤتمر شركاء السودان ؟ كلا ولا ، هل كنا نتوقع هذا الثناء على برنامج حكومة الفترة الانتقالية وعلى التزام دولي قوي بدعمه حتى النهاية ؟ كلا ولا ، هل كنا نحلم ان نعود إلى العالم بهذه السرعة بعد ثلاثين عاما من نظام ادمن توزيع الإرهاب وارسال رسائل الحرب والكراهية ؟ كلا ولا ،
هل توقعنا اشتراكا حقيقيا سريعا مع دول العالم في الاتفاقيات الدولية والخطوط المتفق عليها عالميا في بناء السلام العالمي واحترام حقوق الإنسان والوفاء بالعهود؟ كلا ولا . كنا نتوقع عودة بطيئة للعالم فالتركة ثقيلة وارث الإنقاذ عظيم وفادح ، كنا نتوقع تعثرا طويل الأمد في العودة للمنصات العالمية ، كنا نتوقع حذرا وشك وريبة في احتضاننا مجددا دولة حرة ومستقلة ، ولكن كل ذلك تبدد وعدنا بسرعة قياسية لحضن العالم ، شركاء لا اتباع ، أصحاب رؤية لا عالة على الدول ، دولة سلام لا دولة جرائم ضد الإنسانية .
قطعنا هذا المشوار بتضحيات عظيمة من شباب زهر ميامين وكنداكات سمر باسلات ، بصبر الآباء وعزيمة الأمهات، ودموع ساخنة لم تجف بعد على طرقات التضحية وليالي أسر الشهداء ، فرش الشعب طريق العودة الباذخة للمجتمع الدولي بالعرق والدماء والدموع ، سبحنا جميعا من ضفة الكبت والقهر والدكتاتورية نحو شطء الحرية ، سبحنا عبر الامواج العالية و التماسيح وأسماك القرش وافاعي البحر والفخاخ القاتلة، سبحنا شهورا حتى استحال النهر من الدماء احمرا قانيا وغنينا في وسط الدماء وبين مواكب الشهداء :
النهر يطفح بالضحايا
بالدماء القانية
ما لان فرسان لنا
بل فر جمع الطاغية
شارك الجميع في هذا العبور ، لا فضل لحزب سياسي أو تيار مجتمعي او زيد او عبيد ، من أطفال المدارس إلى الأجداد شارك الجميع بهتاف او جرح او مال او روح ، تعددت التضحيات وتكاملت الادوار حتى انتصرنا ، وعبرنا نحو ذاتنا التي نعلم ، شعب لا يقبل الضيم ولا يرضى الكبت ، وطن للجمال والحرية والسلام . فهل نرجع الآن؟ لن نعود القهقري، لن نرجع ، اقسمنا بدماء الشهداء في المواكب والاعتصام، ان نواصل المسير ، كلما داهمنا الياس والتعب والإحباط تذكرنا مقولة الشهيد عبدالعظيم الخالدة ( لقد تعبنا يا صديقي ولكن لا يمكننا الاستلقاء أثناء المعركة ) .
ما حدث في مؤتمر شركاء السودان لا تكمن عظمته في الأموال، وإنما في المواقف ، في الشراكة ، وفي الاعتراف ، مواقف الدول والمنظمات من تجربة السودان الجديد، وشراكتهم التي التزموا بها، واعترافهم بهذا الشعب الثائر وهذه البلاد السمراء هبة الانهار والغابة والصحراء ، ما حدث لم يكن موقفا دبلوماسيا اعتباطيا مكررا وممجوجا مع كل دول التحول ، بكل كان موقفا منتزعا بواسطة جهود دبلوماسية وسياسية وفكرية خرجت من قيادات البلد الجديد ، هل لا نرى لمسات حمدوك؟ ، هل لا نميز بصمات البدوي ؟ بل نرى ونميز جهودهما الصادقة وعملهما المخلص من أجل العودة بهذه البلاد للقمة وباقتصادها للتعافي ، ونعترف تماما بانهما استثمرا كل خبراتهما ومعرفتهما أثناء عملهما في أروقة الأمم المتحدة من أجل هذا المؤتمر والذي يليه من شراكة مع المجتمع الدولي لانجاح تجربة عبور السودان نحو الديمقراطية والاستقرار والسلام ، فشكرا حمدوك وشكرا البدوي.
هل وصلنا ؟ هل ما أسفر عنه المؤتمر كافيا ؟ هل نجلس ( ونخلف ) ارجلنا وننتظر الدعم ؟ كلا ولا ، بل بدأ العمل الآن، وظهرت الآن الحاجة لوحدة قوى الثورة أكثر، لتماسك النسيج الداخلي ، لتوقيع اتفاقيات السلام وانجاز المؤسسات والاستفادة من خبرات ونجاحات السودانيين عبر العالم في بناء الوطن الجديد ، فلنجمد خلافاتنا الايدولوجية ، ولنتناسى صراعنا السياسي العبثي ولنتفق على العمل معا من أجل الوطن ، من أجل بناء السلام وصناعة المؤسسية والاحتكام للقانون ، هذه الفرصة اذا ضاعت فالجميع سيعود للجحيم ، للكبت والظلم والندم .
sondy25@gmail.com