علق الزميل الصحفي عبدالباسط الشاطرابي على مقال رئيس تحرير التيار الذي جاء تحت عنوان “مؤتمراً الله يدينا ويديكم”، ومستهجناً عرض معاناة الشعب السوداني، بدلاً من إلقاء الضوء على موارد السودان وغناه، وإمكانات الاستثمار، ولأهمية هذا التحاور الموضوعي، ننشر المقالين. وهنا مقال الأستاذ الشاطرابي:
اختزل عثمان ميرغني مؤتمر شركاء السودان بوصف متحامل حين قال بأنه احتوى على الدبلوماسية والمجاملة بما يشبه ما نسميه شعبيا : (الله يدينا ويديكم).
هكذا حكم الباشمهندس على كل كبار العالم الذين اجتمعوا بإرادتهم لا بإرادة حمدوك، واعتبرهم جاؤوا ليقولوا لنا (الله يدينا ويديكم) في حين يعرف الكاتب أن المؤتمر قام على فكرة الشراكة الحقيقية، لا فكرة (الإحسان)، وأن السودان عضو أصيل في المجتمع الدولي .. يؤثر ويتأثر بما يجري في العالم، وتنعكس ظروفه المحلية على المحيطين الإقليمي والدولي اضطرابا واستقرارا، وهذا هو الدافع الأول والأخير للاهتمام بالسودان في مرحلته الانتقالية الحالية. سخرية عثمان ميرغني الغريبة لم تتوقف عند حد الإساءة للمؤتمر، بل امتدت لتبخيس العرض المصور الذي عكس جانبا من المعاناة الاجتماعية في السودان، قائلا إن ذلك يهدم فكرة الشراكة التي تحتاج عروضا تعكس المشروعات الناجحة، وفرص الاستثمار الجاذبة.
بهذه البساطة أحال الكاتب كل العالم إلى جزر معزولة لا يعلم فيها أحد عن الآخر .. شاطبا فكرة القرية الكونية، والسفارات المراقبة، والأقمار الاصطناعية الراصدة، والإعلام الذي لا يحتاج جوازات سفر للعبور !
العالم يا عثمان لا يحتاج أن نخبره عن كنوز بلادنا الاستثمارية، فهي كتاب مفتوح للجميع منذ أن جئنا للدنيا وسمعنا ما يردده الآخرون عن أن بلادنا هي سلة غذاء العالم. إنه عالم ذكي، ومنفتح، ويعرف من أين تؤكل الكتف. أما عرض الجوانب الإنسانية فكان تذكيرا بإنسان السودان ومعاناته التي تسبب فيها النظام المقبور، وهي معاناة تجمعنا مع كثيرين، ولا تحط من قدر السودانيين بل تؤشر لجوانب مهمة في بلادنا، حيث يمكن لأصغر المشاريع أن تقلب الصور رأسا على عقب، بما يتيح حياة كريمة للناس، وعوائد مجزية للمستثمر الباحث عن بيئة إنسانية تزدهر فيها استثماراته. إن لغة المعاناة المستعملة في العرض لم يستوعبها الباشمهندس ربما بفعل العجلة، لكن الغرب يفهمها لما تسببه تلك المعاناة من هجرات ضاغطة تقض مضاجع الدول الغربية وتنتهك مواردها وأمنها واقتصاداتها. إن القوانين الجاذبة للاستثمارات موجودة وقد لا تحتاج تحديثات جوهرية، لكن المشكلة كانت في تطبيق تلك القوانين في بيئة فساد وبائي قائم على الرشاوى و(الكومشنات)، وفي ظل وضع سياسي مختنق بالعزلة ورئيسه مطارد من محكمة الجنايات الدولية !
إن ما جرى في المؤتمر كان انتصارا يرفع رأس السودان، فما تم رصده من مال ليس قليلا في ظل جائحة كورونا التي اكتسحت بزلزالها كل فوائض العالم الغني والفقير، بل امتدت إلى عظم الاقتصاد العالمي كله تخريبا وتهديما. لكن العائد الأعظم الذي اتفق المراقبون المنصفون عليه هو عودة السودان (المفقود) إلى عشيرته العالمية، بما يضمن تناغمه وانسجامه مع عالمه، وبما يحيله لمحط أنظار متجدد بخيرات أراضيه .. في عالم مرشح للتضور جوعا في مرحلة ما بعد كورونا. بشروا يا باشمهندس ولا تنفروا. وكونوا عضدا يبني لا معولا يهدم، أو اصمتوا لو شئتم واتركوا السفينة تسير .. وهذا أضعف الإيمان.