كنت سعيدا أن إدارة “مؤتمر برلين للشراكة مع السودان”.. قررت أن يكون مفتوحا على الهواء، على الأقل هنا في السودان يحتاج الشعب السوداني النبيل أن يرى بنفسه ليقيم الوضع!
تابعت المؤتمر كله من أول كلمة حتى آخر دقيقة، ولم تكن فيه مفاجأة خارج الحسبان، تحدث ممثلو الدول والمنظمات الدولية والاقليمية وقالوا في شعب السودان شعرا يستحق أن يضاف للمعلقات، ولكن ما أن تأتي لحظة الحقيقة والهبوط من الثريا للثرى، لحظة ذكر الأرقام، حتى ينخفض الصوت وترتفع مناسيب الدبلوماسية والمجاملة.. بديلا لما نسميه شعبيا في السودان (الله يدينا ويديكم)!.
والحقيقة نحن لا نلوم العالم، بكل دوله ومنظمته الأممية ومنظماته الاقليمية مثل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية مثل البنك الدولي.. هم قاموا بما عليهم، وأطلقوا على المؤتمر بصوة صريحة وسافرة (مؤتمر الشراكة)!! لكن الجانب السوداني يصر الحاحا، أن المؤتمر للمانحين (المحسنين)!! الذين يجب أن يدركوا أن أفضل مكان لصدقاتهم (لا صداقتهم) هو السودان وشعبه، فعرضوا عليهم نماذج وعينة من (فقرنا المدقع)، سيدة لا تستطيع دفع الايجار، سائق تاكسي لا يجد عملا، وأسرة باتت جائعة بدون عشاء!! حالة تشهير ممعنة في السفور.
بالله عليكم، إذا عرض عليك رجل أعمال ثري (الشراكة) هل تحمل إليه آمالك أم آلامك.. أحلامك أم احباطاتك. قدراتك ومؤهلاتك أم نكباتك وفواجعك!!
ماهي المسافة الفاصلة بين (الشراكة) و(العمل الخيري)!
(الشراكة) تعني الاستثمار (بزنس)، جاذبية المصلحة المشتركة، أما الصدقات و العمل الخيري فهو احسان اليد عليا لليد السفلى! من رصيد الشفقة والأحزان!
هل تقوم (الشراكة) على جاذبية المستقبل أم قتامة الحاضر؟
هل من (الشراكة) أن تنفق دول العالم ومنظماته على (الدعم المباشر) للأسر السودانية المتأثرة بحزم الاصلاح؟ بل وأين هو الإصلاح نفسه؟ منذ رحيل النظام المخلوع هل تعدل قانون واحد؟ هل أعيدت تسمية مرفق واحد؟ هل ومع تغير منهج التفكير والادارة والعمل الحكومي؟ عندما نخاطب العالم ونطلب منه دفع فاتورة (الاصلاح) ألا يجب أن نقنعه أولا بأن هناك اصلاحا حقيقيا بدأ أو سيبدأ؟
بالله عليكم، بدل مقاطع الفيديو التي عرضت على المؤتمر، لو عرضنا عليهم صورا من مشروع الراجحي في الشمالية، جبل مرة في دارفور، مشروع الجزيرة، القضارف والنيل الأزرق، جبال النوبة، وقلنا لهم نحن نملك مساحة أوروبا الغربية من أخصب الاراضي تجي من تحتها المياه.. ونملك الطاقة الشمسية النظيفة.. ونملك الخبرات والانسان المنتج.. ثم اختصرنا لهم الحديث كله في جملة واحدة ( الدولار بعشرة دولار).. و(علينا جاي)!
تعالوا استثمروا في كل شيء من البنى التحتية للزراعة والصناعة والسياحة والثقافة والتعليم والصحة ،فلنكن عاصمة الطب في أفريقيا، والمدن الحرة على شواطيء البحر الأحمر.. والسكك الحديدية التي تربط السودان بكل أفريقيا.. و(الدولار بعشرة دولار) و (علينا جاي)!!
شكرا للتكنلوجيا التي أتاحت أن يكون هذا المؤتمر عبر الأثير، وإلا لدفع الشعب السوداني من حر مال فقره المدقع تكلفة سفر الوفد السوداني إلى برلين، فتكون النتيجة (ميتة وخراب ديار)!! فالوفد لن يعود بـ(خفي حنين)، بل (فردة واحدة) من خفي حنين!!
مع تقديري لكل من اجتهد ليكون هذا المؤتمر مثمرا إلا أنه كشف بصورة لا تقبل الجدل الأزمة السودانية ليست في المال!!
شكرا زينبالبدوي
صحيفة “التيار”