مؤتمر الشراكة الذي انعقد بالأمس في كل أنحاء العالم (وليس في برلين وحدها) ليس هو الأول من نوعه في تاريخ السودان فحسب.. بل في تاريخ العالم.. حيث لم نعرف طوال التاريخ اجتماع كل أطراف العالم؛ دوله ومؤسساته وهيئاته ومنظماته بهذه الكيفية من اجل (دولة واحدة) في أي شأن من شؤون الدنيا والسياسة والاقتصاد والحرب والسلام…! هذا حدث غير مسبوق في تاريخ العالم الحديث والقديم.. فبأي آلاء ربكما تكذبان..؟!
الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام (شخصياً) الاتحاد الأوروبي..الاتحاد الإفريقي..الجامعة العربية..الإيقاد..بنك التنمية الإفريقي..الصندوق العربي للتنمية..بنك التنمية الإسلامي..الوكالات الأممية المتخصصة..منظمة الصحة العالمية..البرنامج الإنمائي.. إدارة الأزمات الدولية..البنك الدولي..صندوق النقد..ثم ألمانيا وفرنسا واليابان وبلجيكا وهولندا والمملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة وكندا والبرتغال وكوريا وتركيا.. ثم مصر وإثيوبيا وجنوب إفريقيا وجنوب السودان والإمارات والسعودية والكويت وقطر..ثم العقد الفريد الذي جمع بين السويد وفنلندا وبولندا..ثم سلوفينيا والبرتغال واستونيا ..وحتى مالطا (تؤذن بالدعم والمشاركة)..جنباً إلى جنب مع الدول المحاصرة بالأزمات الاقتصادية (في تولاتها العزيزة) مثل اليونان وايطاليا واسبانيا..! كل هذا الدول والمنظمات والهيئات والمصارف والبيوتات المالية ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر لأن الحيّز لا يتسع لذكر نحو أربعين دولة وأكثر من عشر هيئات عالمية لم يحدث في تاريخها أنها اجتمعت على صعيد واحد..! كل ذلك من اجل السودان وشعب السودان وثورة السودان وشباب السودان ونساء السودان..يا خفي الألطاف..! أتمارون في الثورة؟..(هل تمسحون من السماء نجومها / بأكفكم أم تطمسون هلالها)..؟!
في هذا الزمن الصعب والعصيب الذي تعصف فيه كورونا بالعالم وحيث يهرب كان إنسان من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.. فلكل بلد شأن يغنيه لانشغاله بالجائحة الهائلة و(الموازنات المايلة)..ومع هذا نجد هذا الإصرار على الوقوف مع السودان رغم الركود والانكماش والكساد الذي يضرب اقتصاديات دول العالم..ونشاهد دول العالم وهيئاته تتنافس على المشاركة في اللقاء بكل حماس وحميمية..؟! ما حدث بالأمس كان شيئاً آخر..كان الحرص الشديد على المشاركة هو سيد الموقف.. فمشاركة المجاملة و(عدّي من وشك) واضحة ولا تفوت على أحد..! لقد كان السودان بالأمس مركز الإشعاع وبؤرة الضوء التي جعلت أقطاب العالم ودوله ومؤسساته يتخطون كل هذه الظروف ويتنادون لهذا اللقاء رغم انغلاق الطرق وانسداد المسالك وبعد المسافات وعقبات التقنية (ولو اعتذروا عن المشاركة لكان لهم العذر.. فكم من لقاءات ومنتديات تم إلغاؤها وتعطيلها بسبب الجائحة)..لقد رأينا كيف كل مشارك لا يكاد يقبل أن تتأخر فرصته أو أن يتم اعتراض بيانه حرصاً على توضيح رغبة بلاده أو مؤسسته في الشراكة والدعم..يا لله من هذا الافتتان العالمي بالسودان وثورته وأهله..!!
….هذا هو المهم في هذا المؤتمر الإسفيري العجيب الذي ليس لا يماثله مؤتمر أو لقاء منذ معاهدة وستفاليا عام 1648 ..لقد أصبح السودان الآن عضواً مرموقاً في الأسرة الدولية ملء الأسماع والأبصار.. وبرز شامخاً أبياً أمام عيون 6 مليارات من البشر على كل شاشات الدنيا (شاء من شاء وأبى من أبى)..وهنا نقول لبعض أنصار الثورة أنزعوا عنكم (التكشيرة) والتشاؤم واللكننة (اللكننة من لكن..لكن..ولكن) واطرحوا وجوهكم ولا تنشروا اليأس والإحباط.. فقد رأيتم رأي العالم في بلادكم وثورتكم.. وكل العقبات مقدور على تجاوزها ..ارحمونا من (صر الوش) ومن هذه التقطيبة واتركوها لغيركم (ولمن هو أحق بها)..! أفرحوا وابتهجوا (برزانة) فلا سبيل غير نجاح السودان وثورته وشعبه..وهذا التقدير العالمي والاندفاع للشراكة يزيد من استنهاض الذاتية السودانية لتفتح طريقها نحو إسعاد شعبها واستعادة وطنها رقماً صعباً في عالمه..العمل الدءوب والأيدي النظيفة والفكر المستنير والمشاركة الشعبية والمواطنة الكاملة والمجتمع المدني اليقظ والسمعة الطيبة والسيرة النظيفة واحترام كرامة المواطن و(الحرية والسلام والعدالة) هي التي تبنى الأوطان.. فلنغالب اليأس بعد أن صرعنا الإنقاذ (وخرجنا من حفرتها)..وأعاد لنا الشهداء الأبرار الوطن سليماً معافى.. وهاهو العالم يضع بلادنا في ابعد نقطة تقدير بلغها أي بلد في الدنيا في مختلف العصور والدهور.. فلنستمع إلى صوت إدريس جماع في خلوده: (هنا صوت يناديني..تقدم أنت سوداني)..
الذين تعوّدوا على الحديث عن عدم مقدرة الثورة وحكومتها على كسر العزلة الخارجية قضوا بالأمس (ليله تعيسة)..! ولعل المراهنين على الكيد الشامت قد بهتوا بالأمس وعضّوا (بنان الغيظ) وهم يرون حضور الشقيقة مصر ورئيس الحكومة الإثيوبية على صعيد واحد لدعم السودان بعد أن ارجفوا بوجود (غضب مزدوج) منهما معاً على السودان.. كما شاهدوا بأعينهم العديد من (الأضداد السياسية) تجتمع بهدف واحد هو تقديم التحية والدعم للسودان..هذا الحب العالمي الجارف للسودان علمه عند (علّام الغيوب)..!
لا تسألني كم كانت حصيلة الدولارات أو اليورهات.. فلم أكن معنياً بذلك.. لقد استوقفتني أحاديث وتعبيرات كبار ممثلي العالم وأقطابه (السودان منارة أمل الدول والشعوب.. ما حدث في السودان دروس ملهمة لكل العالم..هذه قصة نجاح لا بد أن تكتمل..السودان منارة وضاءة في إقليمه والعالم.. السودان أعاد الحياة الشعوب..السودان رمز لإعادة الديمقراطية وهزيمة الطغيان.. السودان نموذج واعد..ثورة السودان أعادت السلام ..السودان يعطي القدوة بانتفاضته السلمية..ما حدث في السودان فصل جديد في تاريخ العالم.. هذا اللقاء سيكون نقطة تحول نحو مستقبل واعد.. لنا الشرف في دعم السودان.. تشرفنا بمقابلة رئيس الحكومة وشباب السودان في الشارع ..هذا المؤتمر فرصة تاريخية..شراكة السودان ودعمه واجب على الجميع.. السودان أطاح بالدكتاتورية الأكثر قمعاً وفساداً.. لا بد من دعم مرحلة الانتقال.. السودان بلد طيب يستحق الشراكة والمساندة..السودان أعاد حقوق الإنسان وكرامة المرأة وحيوية الشباب.. السودان نقطة مضيئة في القارة الإفريقية…الخ هكذا قالوا.. وما ذكرناه على سبيل المثال أيضاً.. فمن العسير ذكر كل العبارات التي قيلت في حق السودان..وكان كل متحدث يختتم كلامه بحث الآخرين على وجوب الشراكة والدعم والمشاركة بالاستثمار في السودان..! لقد جاء هذا الإجماع العريض على تقدير السودان من دول ومجتمعات لا تربطها مصلحة أو قواسم مشتركة مما يجعل حبها للسودان (عذرياً خالصاً) لا تشوبه منفعة خاصة.. أما المصالح المشتركة فأهلاً بها وسهلاً.. (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)؟!