منصور خالد : تصعب الكتابة عن مفكر هزم كل الذين حالوا تشويه صورته ابتعادي عن العمل السياسي ليس نزوحاً فكرياً ووجدانيا عن قضايا الوطن .. وصف بأنه رجل كثير الأشاغيل .. دائم التطواف ..كثير النهم للمعرفة .. وتحقيق الذات
وجدت نفسي : فى وضع لا احسد عليه حين وعدت بالكتابة عن الراحل دكتور منصور خالد الذى قرأت له في زمان باكرمن سبعينينات القرن الماضي كتابيه ” حوار مع الصفوة ” ” ولا خير فينا ان لم نقلها ” فهالني سعة افقه واطلاعه والمامه الشامل بالقضايا التى تناولها فى الكتابين من حيث جزالة اللغة وسحر بيانها ودقة وصفه وقدرته على التحليل والتعليق منطلقاً من وعي وفهم وإدراك لما يكتب عنه .
ولذلك وخروجاً مما وقعت فيه من عهد بالكتابة رأيت أن اقدمه ايجازاً عبر ما كتبه الاديب والسفير وزيرالخارجية الأسبق جمال محمد أحمد فى تقديمه لكتابه ” حوار مع الصفوة ” فى طبعته الأولى الصادرة عن دار التأليف والترجمة والنشر – جامعة الخرطوم – عام 1974 . والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات كتبت أولاها عقب انتفاضة إكتوبر عام 1964م عندما كان يعمل مندوباً للامم المتحدة بالجزائر .. وكتبت ثانيتها خلال فترة التيه والضياع التى اعقبت ذلك عندما كان يعمل فى منظمة اليونسكو فى باريس . يقول الراحل جمال محمد أحمد فى تقديمه لكتاب صديقه الراحل دكتور منصور خالد ” حوار مع الصفوة : أيام قليلة بعد اكتوبر 1964م .. تصدرهذه البحوث وأنين وأوجاع ميلادنا الجديد حولنا ففى الحادي والعشرين من اكتوبر الماضي انفجرت الزائدة وكانت فى بطون قومنا تقاوم سنوات تقاوم منذ ان وليت مراتب الجيش العليا شئون البلاد حين عجزت الاحزاب عن كلمة سواء بينها وراحت رجالات احدها تدعو هذه الفئة ان تعالي تسلمي الامر قسمة بيننا وبينكم وكان الذى كان مما يعرف الناس إستاثر الجيش بالامر كله .س
ومضي فى تقديمه الى القول : فكان اكثر ما غاب عنها مكان الصفوة فى السودان اصابت بعض نجاح فى الشطر الاقتصادي من حياة الناس فغشى بصرها نسيت ان الوفرة الاقتصادية فى أي بلد شطر واحد من كل لا تنفصم اشطاره فات عليها ان للسياسة بمعناها الاشمل مكاناً لا تحجبه البطون المتخمة وما كانت فى الحق كلها متخمة . ومن أجل هذا غضبت الصفوة التى يتحدث اليها الصديق الاثير منصور ثم غضبت معها الجموع الناعسة عن حقها فى الكرامة ويقظت الاحزاب السياسية وكان بعضها قد خدر بالذى يناله من الصدر سمى نفسه ” كرام المواطنين ” وخدر بعضها بالذى يجرح ما تملك من امال ونفوذ .كان واحد من الحزبين الكبيرين يأمل فيخدر وكان الثاني يهم بالنقد ويمسكه حذر ان يفقد .وقال : ثم أتت ساعة من تلكم الساعات التى يحفظها قدرالشعوب فى رحم الغيب يطلقها حين يشاء كان شباب الجامعة يدبر الرأى فى امر الجنوب يقول ان الذى يحول دون الوئام هو ان الشعب هنا وهناك لا يملك كثيراً من امرنفسه وزها القائمون علي الامر بعض النجاح الذى اشرت اليه ورصاص الجيش والشرطة فانقضوا على شباب الجامعة لا حول له غير منطقه وقتلت رصاصة جامحة صبياً يقولون انه كان من احب الشباب لخلصائه رضى الخلق منذر نفسه لعلمه يعدها ليوم قابل ثم وقعت الواقعة وقفت الجموع عشرة ايام امام سلطة اقوي منها قدرة الرصاص علي القتل واضل فئة اخرى مكر قلة من المدنيين كانت تمارس سلطة فى الظلام تهمس بينها تديرالمور كلها وشئون الناس فى ماسونية ما استطاع حتى الخيرون من شباب الجيش ان يعتلوا اسوار همسها فقد كانت عتية عالية مغلقة النوافذ والابواب .
ويضيف : فى هذه الايام التى نبحث فيها عن قواعد للحكم والادارة جديدة نشر صديقى الاثير منصور هذه البحوث نجوماً فى الايام . اكتفى بما اوردت من تقديم الاستاذ جمال محمد احمد لكتاب الدكتور منصور خالد حوار مع الصفوة وحري بمن يريد الاستزاده ان يقرأ هذا الكتاب ليرى قدرات مفكريننا الذى ظلمهم اعلامنا ولم يلق الضوء على عطاءاتهم الفكرية . فجمال محمد احمد كن وزيراً لخارجية السودان وأديب له جهد فى التأليف بالاضافة لاسهامه العم فى الثقافة والمجتمع. ولتسمحوا لي بايراد بعض ما كتب فى خطبة كتابه ” لا خير فينا ان لم نقلها ” وذلك فى اطار صراع السلطة والفكر استهل ذلك بايات شعر واردف الحمد لله الذى هدانا لتسطير هذا الكتاب نسجل فيه جوانب من تاريخ معاصر اخذ قصار الفعال ’ رقرقا العقل فى تشويه صحائفه ولما ترث بعد .
والحمد له وقد مكن لنا من نشره على الناس بشواهده ووثائقه اظاهراً للحق ” لولا تفندون ” وقد اراد الله لهذا الحق ان يظهر بالرغم من سعى الكائدين فى دهاليز السلطة لاجهاض الكتاب فى يد طابعيه وناشريه الشرفاء وسعى بعضهم بالهمس فى الاركان وبعضهم بالتطوع بشرح ما بين السطور وبعضهم الثالث بالتخريج والاضافة الى حديث لا تورية فيه ولا رموز وما كان لنا ان نلجأ للتورية ولا كنا من الذين يعمدون الى الى الرموز فى معالجة قضايا حياتنا العامة التى لا مكان فيها للخشية او الاستحياء .
وما اتعسنا ان كانت هذه المنابر هى نفس المنابر التى اعتلوناها بالامس بلا حجر ولا ضيم فى ظل انظمة رميناها بكل جريرة وما اذلنا عندما يصبح اكثر الناس بيننا حديثاً عن الحرية بالامس هم اكثرهم ايغالاً اليوم فى مماراة الحق .يقول تعالى ” فلما انجاهم اذا هم يبغون فى الارض بغير الحق ” سورة يونس 23.
واي مماراة فى الحق اكثر من ان يتحدث الرجل منا عن النضال والنقاء الثوري وهو يتقرفص فوق اثافي النفاق وما اثافي النفاق الا التوقي فى مواقع الاقدام والصمت فى مواقع الكلام وافتعال المعارك مع طواحين الهواء والاوهام وان يفعل الرجل منا كل ذلك فى وقت يرى فيه الناس بالعين المجردة كل الدواهي التى تحيط بنا والتى يجب ان تتجه اليها جهود الاصلاح .
واكتفى بالاشارة الى ان هذا الكتاب مجموعة من المقالات اعدها الكاتب فى الفترة ما بين عام ” 19978م – 1980م ” حول الوضع السياسي فى السودان وتعالج المجموعة الاولى من المقالات التى نشرها عندما كان مساعداً للامين العام للاتحاد الاشتراكي فى بعض القضايا النظرية التى اوحت بها المصالحة الوطنية مثل التوجه السياسي للنظام والنهج الاسلامي .
اما المجموعة الثانية فقد كتبها المؤلف بعد تخليه عن النظام السوداني مناقشاً بعض القضايا لتى طرحها الرئيس نميري وهو يتهم جميع اجهزته بالفشل دون اشارة الى مسؤولية القيادة عن كل هذا الفش . • والدكتور منصور خالد امدرماني المولد عام 1931م ودرس بوادي سيدنا الثانوية ثم درس القانون بجامعة الخرطوم وحصل على الماجستير من جامعة بنسلفانيا الامريكية والدكتوراة من باريس . • عمل بالمحامة ثم التحق بمنظمة الامم المتحدة مستشاراً قانونياًبالامانة العامة بنيويورك • ممثل دائم مساعداً لبرنامج الامم المتحدة للتنمية بالجزائر . • رئيس مساعد للادارة العربية باليونسكو بباريس • كما عمل استاذا زائراً للقانون الدولي بجامعة كولورادولمدة عام . • عقب قيام ثورة مايو 1969م اختير وزيراً للشباب والشئون الاجتماعية . • عاد بعد ذلك للامم المتحدة رئيساً لوفد السودان ومندوباً دائماً له • فى عام 1971 اختير وزيراً للخارجية . هذه لمحات موجزة اقر فيها بفشلي سبر اغوار هذا المفكر الضليع العالم الذى هزم كل من وقف ضده بالحجة والمنطق والفكرفعجزوا عن مواجهته فكانت له الغلبة . • هدفت من استعراض مقدمتي هذين الكتابين لتوضيح اللغة الرفيع للكاتب ولمقدم الكتابين وان مثقف الامس ان كان سياسياً او أياً كانت وظيفته .ً