قبل عدة سنوات سألت وزيرا من المتأسلمين، كان يشغل لبعض الوقت موقعا وزاريا مهما، وتربطني به معرفة شخصية نادرا ما تربطني بأحد منهم، سألته سؤالا خارج النص: أين أموال البترول؟ قل لي بحق الله ماذا فعلتم بها؟ بعد اللت والعجن أقسم بالله أنه لا يعرف الإجابة فصدقته وأحسب أنه ربما كان صادقا في قسمه فمعرفة حركة أموال البترول لابد وان يكون مقتصرا على دائرة ضيقة من أهل النظام. رأى السيد المسيح عليه السلام رجلا يسرق أمامه، فقال له: أسرقت؟ قال الرجل:لا. قال سيدنا المسيح عليه السلام:آمنت بالله وكذبت عيني.
كثيرا ما يرتبط إنتاج البترول بالفساد، الظاهر منه والخفي، ولكن نيجيريا تعتبر أكثر الدول المنتجة للبترول فسادا. تعرض البترول النيجيري للسرقة المنظمة على مدى السنين، ولكن السراق النيجيريين كانوا أكثر رحمة من نظرائهم السودانيين فلم ينهبوا كل عائدات البترول بل نهبوا بعضا منها قل أو كثر وعفوا عن الباقي. السراق السودانيون سرقوا كل عائدات البترول بنسبة 100%.
ربما أنفقوا بعضا منها في شراء بعض الذمم،كما إدعى بعضهم، ولكنهم بالتاكيد لم يشيدوا منها طريقا أو جسرا أو محطة كهرباء أو مدرسة أو مشفى أو مشروعا تنمويا واحدا، فالمعروف أن كل ما أنجز من طرق وجسور ومشاريع تم بقروض مختلفة مكلفة ووالغة في الفساد،وكان التنفيذ بأضعاف القيمة الفعلية لتلك المشاريع وبجودة أقل في كثير من الأحيان، لتبقى عبئا على أجيال السودانيين الحالية والمستقبلية،ولتبقى كذلك خسارة مستمرة بفعل خطأ وفساد التنفيذ أو عدم قيام المشاريع نفسها واختفاء القروض كلها في حسابات وبطون بعضهم. ما يزال جهلة المتأسلمين،وهو كثر، يرددون في غباء مثير للشفقة أن الإنقاذ شقت الطرق وبنت الجسور والسدود ومحطات الكهرباء بأموال البترول.
استعادة هذه الأموال المنهوبة يشكل هاجسا كبيرا لحكومة الثورة ولكل أهل السودان وتحتاج لإصرار ونفس طويل بمثل إصرار وطول نفس الإسرائيليين الذين نجحوا في استرداد أموال اليهود الألمان النائمة في البنوك السويسرية التي تعود ملكيتها لعدد كبير من ضحايا ألمانيا النازية. تمّ التوصل لتسوية في أغسطس 1998 بلغت قيمتها 1،33 مليار فرنك سويسري تدفعها البنوك السويسرية لورثة أصحاب تلك الودائع النائمة في تلك البنوك السويسرية.
هناك بعض الجهات التي يمكن أن تساعد السودان في استرداد هذه الأموال المسروقة.النجم السينمائي الأمريكي جورج كلوني واحد من أهم هذه الجهات.قال كلوني في وقت سابق قبل سقوط نظام المتأسلمين أنهم أنشأوا منظمة باسم “الراصد” لتعقب الأموال السودانية المنهوبة بهدف جعل الأمر صعبا على النظام في نهبه الموارد الطبيعية للبلاد لتمويل قمعه وإثراء الموالين له. وأوضح أن التعرف على كيفية السرقة التي يقوم بها النظام السوداني استغرقت وقتا طويلا منهم، بفعل التعتيم على المسارات السرية لتدفق الأموال والتلاعب.
جهة أخرى مساعدة هي المنتدى العربى لاسترداد الأموال المنهوبة الذى أنشئ فى 2012 وهو مبادرة مستقلة لدعم جهود الدول العربية التى تمر بمرحلة انتقالية فى استرداد أموالها المنهوبة. كما تبنت مجموعة الثمانى فى كامب ديفيد، “خطة العمل بشأن استرداد الأموال المنهوبة ضمن الإطار العام لشراكة دوفيل مع الدول العربية التى تمر بمرحلة انتقالية. وفقًا لهذه الخطة، التزمت الدول الأعضاء بشراكة دوفيل بقائمة شاملة من الإجراءات الرامية إلى تعزيز التعاون وجهود بناء القدرات والدعم الفنى من أجل دعم الدول العربية التى تمر بمرحلة انتقالية لاسترداد أموال تم تهريبها من قبل أنظمة سابقة”.
المعروف أن كل المصارف تخضع لرقابة الدول، “فأموال شاه إيران في أمريكا وصدام حسين وغيرها المودعة في أوروبا وأمريكا تكشفها هذه السلطات وتوضع تحت حمايتها إلى أن تأتي القوانين بالافراج عنها”، لكن في حالة سويسرا،وهي مخبأ كل أو معظم الأموال المنهوبة من الشعوب، تتكتم الدولة السويسرية على تلك الأموال المنهوبة مهما كانت الظروف، حصانة للمودعين فيطول انتظار الشعوب وتظل سويسرا هي المستفيد في جميع الحالات .يشتبه أن تكون أموال السودانيين المنهوبة مودعة في حسابات شخصية في بنوك سويسرا وانجلترا وألمانيا وماليزيا وتركيا ودبي وسنغافورة وغيرها من بلاد الله.
بعض دول حلف الناتو،وهي تتبنى وتدعم مبادرات استرداد أموال الشعوب المنهوبة، هي نفسها ولغت في أموال هذه الشعوب.نهبت أموال ليبيا بعد سقوط القذافي في تناقض أخلاقي قبيح.بعض مليارات ليبيا اختفى بمعرفة وبفعل البلدان الغازية وبعضها ذهب لخزائن عائشة القذافي وإخوتها، وليبيا لا بواكي لها.
لم تقتصر سرقتهم على عائدات البترول. في بداية سنوات حكم المتأسلمين كانت السفارة السودانية في الرياض تحول قدرا كبيرا من حصيلة جباياتها وإتاواتها الجائرة من المغتربين لحساب بنكي معين خارج السودان باسم أحد المتأسلمين السودانيين ولا يعرف على وجه التحديد مصير وأوجه صرف تلك المبالغ.
ربما تتم إجابة سؤال المليار دولار عبر السيد النائب العام .بشر سيادته في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي النابه المحترم شوقي عبدالعظيم أن هناك جهودا واتصالات جارية الآن لاسترداد الأموال السودانية المنهوبة المودعة في البنوك الخارجية، لكنه لا يستطيع في الوقت الراهن أن يكشف عن هذه الجهود ولا التطورات التي حدثت في هذا الملف.والعبرة بالنتائج.