في خطابه للمليونية قال رئيس الوزراء حمدوك ( مما لا يخفى عليكم ان التوازن الذي تقوم عليه المرحلة الانتقالية التي تحاول حكومة الثورة ادارتها، هو توازن حساس وحرج ) ، ماهي ملامح هذا التوازن الحرج ؟ وما الذي يجعله حساس لهذه الدرجة التي تجعل رئيس الوزراء يصارح به الجماهير؟ دعونا نبحر قليلا ونحاول الاكتشاف .
قبل عام خرجت الجماهير في مليونية ٣٠ يونيو واجبرت المجلس العسكري على توقيع الاتفاق السياسي وتعيين الحكومة المدنية ، من لحظة التوقيع عليه وجد الاتفاق السياسي معارضة من أجسام سياسية مدنية بعينها رفضت التوقيع على الاتفاق وعلى الوثيقة الدستورية من بعد ، من هذه الأجسام كانت حركة قرفنا والتي أعلنت على الملأ رفضها للشراكة وخرجت من قوى الحرية والتغيير في ذلك الوقت واعلنت انتماءها للشارع حتى إسقاط حكومة الشراكة ، موقف حركة قرفنا كان واضحا يجبرك وان كنت مختلفا معه على احترامه، الأزمة ظهرت حين رفضت القوى السياسية الاخرى الرافضة للاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية الخروج من التحالف ، فاصبحت خميرة عكننة من الداخل ، وصار واضحا أن خط هذه القوى السياسية ليس دعم الحكومة الانتقالية وانما النخر في اعمدتها من الداخل واضعافها قليلا قليلا حتى إسقاطها ، وجود هذه القوى مع قوى أخرى مؤمنة بالشراكة وداعمة بلا تحفظ للحكومة الانتقالية خلق عدم توازن داخل كابينة قيادة الحكومة الانتقالية ، مما جعل رئيس الوزراء يحاول جاهدا حفظ توازن الشركاء ووحدة قوى الثورة وهي مسؤلية حرجة ومعقدة .
الجيش السوداني تم استهدافه في عهد الكيزان كما تم استهداف كل المؤسسات القومية ، ولكنه دونا عن بقية الأجهزة الحكومية يظل الجيش هو القوة الوحيدة التي بيدها القوة النارية ، مضافا إليه الدعم السريع يكون من العسير جدا تجاوز حقيقة وجود هذه القوى العسكرية وأثرها في توازن البلد ، الازمة أن الجيش والدعم ينخر فيهما ( سوس ) كيزاني، لا يمكن الجزم بأن قيادات المجلس العسكري القديم داعمه للكيزان، فهذا شيء بعيد عن الفطرة العقلية السلمية والاستنتاج الطبيعي المبني على أن الإطاحة بالبشير وحكمه لا يمكن أن تكون مسرحية كيزانية عسكرية صرفة ، فالعسكر عبر التاريخ السياسي السوداني لم يكونوا يفكرون في استلام السلطة من تلقاء أنفسهم بل كان تحفيزهم للانقلاب يتم دوما بواسطة الأحزاب السياسية ، فهل يكون حزب المؤتمر الوطني هو الذي أوحى لعساكره المنظمين بالانحياز للجماهير واعتقال البشير ورموز الإنقاذ ومن ثم بعد فترة إعادتهم الحكم ؟! هذا بلا شك استنتاج فطير وضعيف ، رغم ضعفه الا إن هذا الاستنتاج موجود في بضاعة القوى الرافضة للوثيقة الدستورية وتسوق له تحت اطلاق مصطلح اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ على العسكر من أجل استقطاب الشعب للثورة على شراكة الفترة الانتقالية . معضلة الجيش وتوازنه بين الإصلاح والتنظيف من فلول الكيزان هي إحدى مشاكل التوازن التي يواجهها حمدوك في مجلس الوزراء ومجلس السيادة.
العالم من الخارج كذلك له مشاكله المرتبطة بالسودان ويريد تعهدات بأن لا يكون السودان مصدر قلق له ولا مصدر خطر مستقبلي ، وهذا ايضا حقل الغام ليس سهلا ، خاصة وأن أكثر من حزب سياسي سوداني يملك امتدادت ايدولوجية او قومية او دينية في الخارج ، مما قد يجعله مخلب قط محتمل في حال عدم توازن العلاقات الخارجية واستجابتها للواقع الدولي المبني على التعاون والندية والمصلحة المتبادلة.
لا يرى رجل الشارع العادي ما يعانيه حمدوك من مشاكل توازن بالغة الحساسية ، فهو يرى فقط ان الاسعار مرتفعة والكهرباء متقطعة والمستشفيات مغلقة ورموز النظام بلا محاكمات والقصاص مازال بعيدا ، فلا يشعر بأن ثمة جهد مبذول من رئيس الوزراء ولا يهمه التوازن ، فيضيف عبئه الخاص ويسير المليونيات لتلبية المطالب ، ليزداد على حمدوك الرهق والمصاعب . هل يملك حمدوك حلا سحريا لازمة التوازن هذا ؟ كلا ولا . هل ثمة توقع بانفراجة بارزة قريبا ؟ كلا ولا . ما العمل اذا ؟ الحل ثلاثي الأبعاد: إبعاد او تحييد مصادر العكننة من خلال مأسسة قحت وضبطها بقانون لا يسمح لحزب سياسي بالتغريد منفردا ضد الحكومة الانتقالية ، إصلاح الأجهزة العسكرية ، والشفافية مع الجمهور.
sondy25@gmail.com