تسود الساحة السياسية حالة من السيولة من اسبابها المباشرة وجود صراعات داخل قوى الحرية والتغيير وصراعات داخل تجمع المهنيين ، ظهور الصراعات شيء طبيعي في ظل الديمقراطية والحرية ، فالديمقراطية لا تعني سوى فتح المجال للكل للتعبير عن أرائهم ، مما يجعل الجماهير في دوامة يصعب معها لدى الكثير منهم كبح جماح الإحساس باليأس او الاحباط مما يحدث، بيد أن ما يحدث هو الذي يحدث في كل الديمقراطيات ، الفرق الوحيد أن ديمقراطيتنا الوليدة لم تصل بعد مستوى النضج الكافي الذي توجد فيه قوانين عادلة ومستقلة يحتكم إليها الجميع لمعالجة أسباب هذه الصراعات ، لذلك ان كان في هذه ( الجوطة ) الحالية فائدة فهي انها نبهت الجميع إلى أن العمل السياسي والنقابي في الفترة الانتقالية بلا قانون حاكم وبلا مرجعية قانونية معتمدة يرجع إليها الناس عند الاختلاف هو الكارثة الأكبر.
الديمقراطية تساوي في الفرص بين الجميع ، هي تسمح لكل شخص يملك رأيا ان يعبر عنه بغض النظر عن طبيعة هذا الرأي بالنسبة لاراء الآخرين ، تسمح للاحزاب السياسية ان تسعى لتحقيق أهدافها بكل الطرق والوسائل السلمية والديمقراطية بغض نظر عن موقع هذه الأهداف من اهداف الأحزاب الأخرى ، تفسح المجال لكل الأصوات لتعبر عن ذاتها وتخاطب الجماهير ، تفتح الأبواب للأفكار المختلفة لتعبر عن نفسها أمام الشعب . ميدان الديمقراطية يسمح للجميع باللعب فيه بعض النظر عن ( حرفنة ) البعض في لعب الكرة او لعب البعض الكورة على طريقة ( ضربو رماهو ) ،
الشرط الوحيد ان يحتكم الجميع إلى القانون الديمقراطي ، ان يلتزم الجميع بالممارسة المنضبطة بإطار القانون ، اي خروج على القانون يعرض للمسألة والعقاب ، هذا القانون الكامل الشامل الذي يفصل بين الممارسات داخل ميدان الديمقراطية مازال غير موجودا في بلادنا ، وهذا بالضبط ما يزيد من حدة الصراعات وتراكمها، وما يجعل التوافق و( الجودية ) وليس القانون هو الفيصل في علاج التجاوزات داخل قوى الحرية والتغيير أو داخل الحكومة الانتقالية او داخل تجمع المهنيين او داخل لجان المقاومة . وهي طرق لا تنجح باستمرار بل فشلت في معظم الصراعات الراهنة ، وهو ما أثبت حقيقة واحدة واضحة للكل : بلا قانون حاكم وحاسم يرجع اليه الناس عند الصراعات فالفوضى ستتراكم وستقود إلى انفلات الوضع في النهاية ( فكل ما فات حده انقلب إلى ضده ) .
قد يتسأل البعض وأين الوثيقة الدستورية ؟ وهو ما يجعلنا نرد عليه ببعض الاسئلة ، السؤال الاول أين حسمت في الوثيقة الدستورية خلافات قحت ؟ لا يوجد . الا تحتاج قحت وخلافاتها الداخلية المتعددة إلى دستور او لوائح داخلية صارمة حاسمة يحتكم إليها الجميع عند الاختلاف ؟ قحت الآن هي أعلى الأصوات لأنها تحتوي على أحزاب وتيارات سياسية متعددة وبالتالي هي المتسبب الأول في حالة السيولة والفوضى واحباط الجماهير ، والسبب عدم وجود قانون يحكمها هي نفسها . نتطلع الى ان يكون المؤتمر التدوالي المعلن عنه لقحت في يوليو هذا هو المنصة المناسبة لمناقشة هذا الامر وصياغة هذا القانون الداخلي ، وربما هو ايضا منصة مناسبة تبدأ فيه قحت مشوار صياغة قانون مؤقت للأحزاب السياسية يحكم الفترة الانتقالية ، استعدادا لعرضه ككتلة على المجلس التشريعي المرتقب بعد تعيينه.
السؤال الثاني اين حسمت الوثيقة الدستورية خلافات تجمع المهنيين ؟ وأين حسمت الوثيقة الدستورية خلافات لجان المقاومة ؟ لا يوجد . الجسمين أعلاه أجسام جديدة في خارطة العمل السياسي السوداني ، ويجب التعامل معهما وفق ذلك والعمل على إجازة إطار قانوني يخاطب الوجود الفعال لهذه الأجسام خلال الفترة الانتقالية ويحصنهما أمام الاختلاف المدمر والاختراق بواسطة الأحزاب السياسية ، ويجعلهما قادرين على إدارة خلافاتهما وفق مرجعية قانونية ملزمة تستوعب وجودهما الفريد وتخاطب المشاكل الموجودة والمتوقعة فيهما خلالها الفترة الانتقالية . ننصح تجمع المهنيين ولجان المقاومة بعقد مؤتمر تداولي خاص بكل جسم على حده ، يستهدف ضمن أهداف اخرى اعداد أساس قانوني يحكم وجودهما وخلافات أجسامهما ، لإغلاق الباب أمام أي صراع مستقبلي ، يقدم القانون بعد اعداده للمجلس التشريعي حال تعيينه لمناقشته وإجازته.
الجو الديمقراطي سيظل مشحونا بالخلافات وبعشرات الآراء و المواقف والاتجاهات المتباينة ، سيتعرض كل يوم لاختبار جديد وهزة جديدة ما دام ان القوانين الحاكمة غير موجودة ولا توجد مرجعية للفصل بين الخلافات وفرض الضبط والانضباط . الإصلاح القانوني لهياكل ومؤسسات الفترة الانتقالية اصبح ضرورة ملحة من أجل حسم الخلافات والفصل في النزاعات ، وهو ما يستوجب العمل على سرعة تعيين المجلس التشريعي لقيادة هذا الإصلاح القانوني .
sondy25@gmail.com