مليونية 30 يونيو لها بركتان وجملة رسائل؛ أما البركة الأولى فإنها أحالت تاريخ هذا اليوم (الأسود سابقاً) إلى ذكرى ناصعة البياض يستقبلها الناس كل عام بمشاعر الغبطة والسرور والزهو بهذا الشعب والنبيل والوطن الجميل.. فالحمد لله حمداً لا انقضاء له (الحمد لله زال الهمُ والكدرُ .. وقرّت العين لما سرّها النظرُ).. فبمثلما كان تاريخ الثلاثين من يونيو هو ذكرى النكد المُكلل بالسجم والرماد والغصة التي (تعشرق في الحلوق) انطمست ذكرى الانقلاب الكالح الذي وقع فيه بتجديد مواكب يونيو الماضي فجعلت منه عيداً شعبياً للفرح الغامر والانشراح الوقور.. وهذا من فضل الله على شعب السودان الصبور العنيد الذي كما قال محجوب شريف جعل هندامه من نسيج الفداء المضرّج بدماء الشهداء الأبرار..!
والبركة الثانية أن المليونية جاءت مباشرة بعد أن عاد للسودان وجهه الخارجي باحتفاء يمثل سابقة فريدة محضورة جعلت أعناق العالم تلتفت إليه بقوة في محفلٍ لا ككل المحافل (جمع فأوعى) أطنب فيه أقطاب العالم من شرق وغرب بكيل الثناء المستحق إشادة بمناقب شعب السودان ومواريث الوطن التي يجهلها من أساءوا إليه من بنيه (المطفحين) الذين لا يعرفون حقاً للسودان وكأنه وجودهم فيه كان غلطة بيولوجية أو هفوة جينية ..(حاشا لله) فجماعة الإنقاذ وأتباعهم سودانيون ولكنهم صنفٌ غريب لا تجد في سلوكه واشجة واحدة تربطه بتقاليد السودان وأعرافه وعرفانه ومعارفه ومروءته ونخوته .. فسبحان الله يا أخي الذي جعل من الجبال (جددٌ بيض وحُمرٌ مُختلف ألوانها وغرابيب سود).. وتباركت ثورة ديسمبر التي أعادت اللألاء والرونق والبريق للسودان ومحت عنه كل الأوشاب والطحالب و(مكر الثعالب) حتى ليكاد يصدق على ثورته الباسلة الغزل الرقيق للشاعر عتيق (فيك الكمال محصور .. أكظمت كل حسود .. حسنك مقامو يسود .. على كل جيل في عصور)..!
والرسائل العديدة التي بعثت بها جموع السودانيين من كل بقاع الوطن في المليونية واضحة وصريحة وعديدة منها: رسالة إلى الإنقاذيين وأشياعهم بان الطريق نحو إيقاف مد الثورة (مغلق للتحسينات) وعليهم أن (يرعو بي قيدهم) وأن يلوذوا بالصمت و(حسن السير والسلوك) وأن (يركز) كل من سطا وسرق منهم أو اغتصب وقتل ونهب للعقاب بالقانون.
ورسالة بأن الشعب لا يسمح بالانقلاب والعودة إلى الوراء.. ورسالة بأن المطالبة بالقصاص للشهداء ليس من أمور المساومة والتسويف ويشمل ذلك ضحايا إجرام الإنقاذ في جميع أصقاع البلاد ومنذ 30 يونيو 1989 وحتى شهيد المليونية بالأمس .. ورسالة إلي حكومة الثورة بأن الشعب يقف سنداً لها وعليها انجاز مطلوباته (بأعجل ما تيسّر).. ورسالة إلى الذين يحاولون إعاقة مسيرة الثورة من داخل مؤسسات الانتقال أن يكفوا عن التعويق.
ورسالة لمجلس السيادة بأن يلتزم بصلاحيته كما هي في الوثيقة الدستورية وان يقوي من عزائمه ويمنع الأحاديث والتصرفات التي تنقض غزل الثورة.
ورسالة إلى القوات النظامية بأن عليها أن تلازم واجبها في حماية الشعب وشرعية الثورة وان تمنع أي تصرفات خارج هذا السياق وان تتصدى لواجبها في معاقبة كل خارج على القانون.
ورسالة للذين يعارضون إزالة التمكين ويحاولون تكبيل اللجنة المختصة بإزالته وإعادة الأموال المنهوبة بأن يطلقوا يدها وفق قانون إنشائها عساها تستطيع كشف متاهة الفساد التي راكمته الإنقاذ حتى صار جبالاً شاهقة تنتصب في أودية وعرة المسالك شائكة الدروب.. فليس لجماعة الإنقاذ براعة أو خبرة إلا في النهب والسرقة وارتداء النعال (بالمقلوب) لإخفاء الأثر..!
ورسالة لحركات الكفاح المسلح بأن الشعب لا يفهم التلكؤ في إحلال السلام؛ فلا عذر في إبطاء في مسيرته تحت أي ذريعة حتى لو تعلقت بالمواقع ونسب المشاركة.. ففترة الانتقال لها مهام محددة لا خروج عنها ويمكن أن تؤديها أي مجموعة في المجلس التشريعي أو الحكومة أو مجلس السيادة أو المفوضيات أو مواقع الولاة .. فالعبرة بانجاز مهام السلام لا بملء المواقع، ولابد أن يرتقي الجميع إلى منصة الثورة التي لم تأت للمحاصصة واقتسام المناصب وإنما جاءت لتعلي من فضائل التجرّد والإيثار والتضحية وبدأتها بتنافس الشباب على تقديم أرواحهم مهراً للحرية وحباً للوطن على سنة ابن الفارض ( ما لي سوى روحي وباذل نفسه/ في حب من يهواه ليس بمسرفِ)..!
ورسالة للمجتمع الدولي والإقليمي بعودة السودان عضواً فاعلاً كامل السيادة يسير بإرادة شعبه.. وهنا يجب عدم الالتفات إلى الذين يتمحّكون و(يتمحلسون) بأن الحكومة تفرّط في سيادة البلاد بالتعاون الفني مع الأمم المتحدة أو بالتعامل الاقتصادي مع بيوتات ومؤسسات التمويل الدولية..! لقد أرسل شعب السودان رسائله البليغة لكل من ألقى السمع وهو شهيد ولسان حاله يقول (ألا هل بلغت؟..اللهم فأشهد)…!