زوجتي تعتقد أنني أجيد شراء البطيخ، لأن ما أجلبه للبيت في أوقات البحبوحة يكون أحمر اللون عسلي المذاق. لكن السر الذي لم أبح به أنني كثيرا ما أستفيد من خبرة البائع نفسه في تفادي البطيخة القرعة (!) فالبطيخة ما دامت مقفولة تظل بطيخة .. ولا يعرف أحد ما بداخلها إلا إن كانت عينه مزودة بالأشعة السينية !
والدنيا كلها بطيخة، (إنْ أقبَلتْ باضَ الحَمامُ على الوَتَدْ .. وإنْ أدبَرتْ بَالَ الحِمارُ على الأسدْ) !!
ولو كنا نعرف مكامن الخير لاستكثرنا منه لكن الحظ العاثر يبدو أنه يسجل حضورا في معظم الأحيان، وهذا لا يقتصر طبعا على حياتنا الاجتماعية فقط، فقد تعثرنا كثيرا في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي العدالة المجتمعية، وفي التنمية المتوازنة، وفي العيش كبقية الشعوب الراقية في القرن الحادي والعشرين.
قناعتي أن التجربة هي التي تصقلنا، وأي خبير هو صاحب ثروة من الأخطاء تعلم منها فصار خبيرا، وهذا ربما السبب في أن المتقدمين في السن هم الأقدر على معالجة المشاكل المعقدة، بحكم ما مر بهم من تجارب وخيبات !
أذكر أنني حدثت قرائي من قبل عن أحد أصدقائي الذي كان يسير في الشارع ملتصقا بالحوائط المنزلية أيام الخريف، وكان طبعا يتفادى الحوائط المشبوهة التي تحمل علامات الإنهاك، لكن المفاجأة باغتته من أعلى الحائط، فقد سقط على أم رأسه برج حمام كاد أن يقضي عليه، ومن يومها أضاف إلى خبراته (الصنقعة) حين يصعب توقع مكان الخطر القادم !
لا أعرف وصفة سحرية للتعامل مع مشكلات الحياة، ولكن المؤكد أن الوقوع في الأخطاء هو أهم الجامعات التي يتعلم منها الإنسان، وأن أخطاء الآخرين يستفيد منها العقلاء فلا يقعون فيها.
ما أراه هو أن تتعاملوا بقلب جامد حين تجدون أنفسكم قد أخطأتم التقدير، فهكذا تتحولون إلى خبراء، واسألوا صاحب البطيخ عن البطيخة الحمراء العسلية المذاق والرخيصة السعر حين تشترون، ففي الغالب سيختار لكم مبتغاكم .. أما إذا اختار لكم القرعة .. فذلك هو الحظ العاثر الذي لا أعرف له دواء !
اجتهدوا ..
وعلى قدر الاستطاعة .. خليكم في البيت