أبوجبيهه مدينة خضراء ساحرة ذات طبيعة خلابة تقع في جنوب كردفان المنطقة الشرقية. في السافنا الغنيه سميت بهذا الأسم من جبل أبي جبيهه الذي يقع جنوبها، والمدينه تقع في سفوحه الشمالية، في الجبل صخرة بها تنوء كأنه وجه إنسان وتم تصغيره للتمليح. (أبوجبيهه)
علمتني ان للمكان سحرا عجيبا في إرجاع الزمان ولو لبضع ثوان، فما ان ترمق عيناي بقعة حتي أعود تلقائياً لزمن ما لأ تذكر حدث ما وماهي إلا لحظات وأفيق منتشية من ذلك السحر.. وكأن شيئا لم يحدث!
لأني أعشقها أيقنت أن الأنتماء والحنين توأمان متلازمان خرجا من رحم الحب، لينتج عن ذلك الحب حبا آخر ممتدا للنهايه ليخفف ألم المخاض المؤلم الذي نتج منه ذلك التوأمان اللذان يسحباني عنوة بين الحين والآخر لأعود الي أحضان حبيبتي (الحُبّاك) الأسم الآخر لأبي جبيهه إسم الدلع والغنج.
عندما يطلب مني تقييم مقومات جمالها أدخل في اختبار عصيب ومهمة صعبة التقييم، فهاهي اوديها البطحة في غرب البلد هناك منبطحه بمائها العذب الرقراق ذو المد الدفاق تناديني بصوت عال يملأ الآفاق انا الأجمل، انا شريان حياة هذه الطبيعه الخلابه وتصرخ السفوح بل انا، فتأتي قمة جبل العمده بخضرتها التي تسحر الأنظار وتسلب اللب بهدوء وشموخ قائله :تمعني بجمالي وكني منصفة، وما ابدأ التقييم حتى تناجيني أشجار الدليب- الفارعة الباسقة ممشوقة القوام (من فصيلة النخليات) التي تميز هذه المدينة الزاخره بجمالها المتفرد – أين أنا؟ من تقييمك ذلك لأتوقف عن تلك المحاوله الخاسرة، وأسلم قائلة للجميع بأن كل شبر أجمل من الآخر.. فانسحب بلذة المنتصر، فبين الحب والتنوع الآسر ارتسمت لذة الانتصار والانسحاب.
كما أن هنالك شريان يتوسط أجسامنا لتمر به الدماء التي تغذي أجسادنا شبهه هنا، هو ذلك الشارع الشمالي الذي ما أن تدخله وانت قادم من رشاد ترى تلك أشجار الدليب مشرئبة الي سماء العزه وترنو الي الأفق الجميل، حتي تعتريك نشوة الحب العارم، وتحس بأنك وصلت لتلك المحبوبة الحباك، التي حباها الله بكل هذا الجمال والمناخ الذي أهلها لتكون لوحة ربانية، رسمت بعناية، فبمجرد ما يدخل الزائر و يمشي في ذلك الشارع يجد كل الأشجار منحنية، احتراما وترحيبا به لتؤكد له بأنها أخذت الكثير من خصال أهل أبي جبيهه.
ولصباحاتها وجه آخر يرسم صورة أخرى للسحر الحلال، وإن صباحها فنان جامع يرسم بريشته أروع لوحة يقف الرائي أمامها مبهورا عندما تمد شمسها الخجوله اذيال ثوبها الذهبي علي قمة جبل العمده، والحدائق الباسقه الأشجار كأميرة نعسى تطل من خدر على شرفة قصرها لتضفي على المكان سحر آخر لا يدركه إلا من تنفس الصباح هناك..
كما إن هنالك منظومة أخرى تبدأ عندما تتجول بين بساتينها عصرا او في باكورة الصباح لتنتشي بعطر النوار والازهار الذي يتفتق مع حبيبات الندى الصباحي، فتنتقل على بساط رائحة النوار المنبعث من أشجار الليمون والجوافة، والمانجو التي تكسو البساتين بعبقها الفواح فتتمنى أن يتوقف الزمن تلك اللحظة لتتدثر بذلك العبق مغمضا عينيك لتسمح لحاسة الشم بأن تأخذ مأخذها منك، لتنقلك لعوالم أخرى فقط هناك في ابي جبيهه يحدث كل ذلك..
اما عن طبيعة ناسها وطيبتهم.. فلنا لقاء آخر. و اما عن إنتاجها واقتصادها المهمل.. وعدم العنايه بها و عدم تسليط الضوء عليها ملف آخر.