جاؤوا عن كفاءة واقتدار، ويشهد لهم العمل الناجح والمواقع والمناصب التى تسنموها في ماضيهم العملي عن جدارة وأهلتهم إلى أن ينالوا الثقة ليكونوا وزراء في الحكومة الانتقالية التي ورثت مسؤولية جسيمة، ووضعا مأساويا ومنهارا لبلد منهك من ضياع وخراب 30 عاما من التجريب الإداري والسياسي الفاشل، مما أوصله إلى هاوية الفلس والهزال التنموي وعدم الاستقرار وضيق معيشة الناس…
ولا شك وضع بلد معقد بهذه الدرجة وبمشاكل متعددة عَمّقَها وأججها النظام البائد بالإضافة إلى تجذّر المعوقين للتغيير والنجاح من منتسبيه والمنتفعين منه في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية وجيشها، بل واكثر من ذلك تكريسه انهزامية وتسبيط همم شعبها وكبح مقدراته والتقليل من علو شأنه ومكانته وعزله من النطاق العالمي الفعال… كل ذلك مجتمعاً وغيره من المشاكل التي تشيّب الرأس بالتأكيد هي عوامل تقف حجرة عثرة امام كل وزير او مسؤول يتم تكليفه بمنصب وزارة او جهاز حكومي في هذه الفترة او المرحلة العصيبة بالذات من تاريخ الحكم في السودان مهما أًؤتي من مقدرات وكفاءة وتفوق وقدرة نجاح…لماذا؟؟؟!! واقول الإجابة بكل صراحة وهي السبب الأساسي في عدم الرضا عن عمل هؤلاء الوزراء الذين تم عزلهم من مناصبهم بعد المطالبة بتنحيتهم وتلبية ذلك من حمدوك صونا وبرا للعهد الذي وعد به المطالبين ..
السبب يا سادتي ليس لعدم كفاءة وجدارة هؤلاء الوزراء لأن ماضيهم العملي يثبت عكس ذلك تماماً … وما حدث من ثغرات ونواقص في مهماتهم الوظيفية في الحكومة الانتقالية له ما يبرره رغم حساسية ما يعيشه المواطن من معاناة… إذا الأمر كان كذلك فعلينا أن نبحث عن الداء بشفافية وصدق لنعرف الدواء… الداء او المرض الخبيث الذي أصاب جسد الوطن هو التركيبة المعقدة في نفوسنا كسودانيين والتي جذّرها وأصلها النظام البائد ليسود ويتحكم في الفرد والمجتمع السوداني ككل ومضمونها يتمثل في (فرّق تسد) والقضاء على كل رافض أو ناقد لما يعملون وينفذون والذي ينفع معهم هو الذي يسير في فلكهم أما غير هذا فليشرب من ماء البحر أو يغادر الوطن غير مأسوف عليه…
وكانت الغاية عندهم تبرر الوسيلة مهما كان ضررها فقضوا على مؤسسات حيوية ليس لعدم جدواها ولكن لانها في نظرهم بؤر لمنافسين لهم من الاحزاب الأخرى كمشروع الجزيرة والسكك الحديدية فقاموا بتدميرها ليرتاحوا منهم..
ومن أخطر واضر أعمالهم السياسات الانعزالية والفئوية والفصل للصالح العام التعسفي غير الحقيقي الذي مارسه النظام البائد وكل ذلك وغير من السياسات الخاطئة التي اوغرت في الصدور أوجدا هذه التركيبة السودانية النفسية المتنافرة المستعدية لبعضها البعض التي غزت واستولت على مكامن الشخصية السودانية الحالية بعد زوال نظام الانقاذ فأصبح الإنسان السوداني فاقداً للثقة في أخيه ويتحرك من فائدة ومصلحة ذاتية ودوافع نفعية افقدته الروح والوحدة الوطنية والنظرة إلى الامور بمنظار التروي والحكمة والرأي السديد والسعي لخلق وطن جميل يسع الجميع… فالنجاح بصورة عامة في كل مرفق حكومي او وزاري له عوامل متعددة كلها تتضافر ليتم هذا النجاح ويتحقق مثل خطط الوزير وحسن إدارته وتعاون طاقمه وتفاعلهم الإيجابي ومساندة الجهات ذات العلاقة معه إضافة إلى التمويل والإمكانات وتجواب المواطنين بكل صدق ووطنية مع مخرجات العمل… فهل نصف هذه العوامل فقط متوفر لوزير من هؤلاء الذين تم عزلهم ناهيك عن توفرها جميعا حتى نحاسبه على إخفاقه… فمعظم النقد الذي يوجه لهم غير موضوعي وغير منصف خاصة من الذين ينطلقون من مصالح ذاتية وهم اصلا كارهون للتغيير وللثورة وهدفهم إفشال مهمة الوزير وقتل شخصيته وتقليل شأن ما يقدم مما اوجد صدى وأثراً في نفوس بعض المواطنين وهذا واضح جدا في العدائيات والمماحكات والملاحقات الاستعدائية للوزير الشاب أكرم التوم الذي تحمل مسؤولية وزارة الصحة (الجنازة) بفعل فشل سياسات النظام البائد الفاشلة وفي وقت تواجه فيه وباء صعبت مواجهته من قبل دول كبرى فما بالك من دولة منهارة ذات خزينة خاوية ونقص في كل الخدمات والاحتياجات المعيشية…
واذا لم تتوفر للمسؤول والوزير المكلف بإدارة وزارته العوامل المهمة والمساعدة لتحقيق النجاح في مهمته فكيف يُطلب منه النجاح الكامل وهو غارق في أوحال من المعوقات والفوضى الضاربة أطنابها في المجتمع … ويُحسب للوزراء الذين غادروا وزاراتهم اجتهاداتهم ومحاولاتهم لتحقيق ما يمكن تحقيقه في ظروف بالغة التعقيد والمشاكل التي حلت بالوطن.. وإن استمرت الحال على هذا الوضع غير المساعد لنجاح المسؤول أو الوزير فعلى الوزراء الجدد الذين سيحلون مكانهم أن يقدموا استقالاتهم منذ البداية قبل أن يفاجئهم اتباع النظام البائد والمستعجلون للنجاح دون النظر ببصيرة لما يعيشه الوطن من متناقضات ومعوقات ومشاكل… ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم…. فهل نغيّر ما بأنفسنا لنكون سندا وعونا لمن نوكل له مهمة عمل؟؟؟!!..