صادفني تعليق لأحد المواطنين على تعديل بعض القوانين الجدلية من قبل وزير العدل قائلا( أكلونا اول بعد ذلك عدلوا القوانين ) وهو تعليق واقعي بامتياز، فالشاهد ان الواقع المعيشي على الأرض محبط ومحزن جدا ، الغلاء الفاحش وانعدام الأدوية والصفوف التي لا تنتهي امام الوقود والغاز والخبز والصرافات تنبيء بأن المواطن في وادي وحكومته الانتقالية في واد آخر، المواطن يبحث عن الخبز والكسرة والحكومة تبحث عن المرتدين لتنقذهم من الموت وكان الحكومات السودانية لم يكن لها شغل سوى قتل المرتدين عن الاسلام !!
يا حكومة الثورة لم يثور الشعب على الكيزان لانهم يقتلون يوميا مرتدا بل لأنهم اهتموا بانفسهم وجماعتهم وتركوا الشعب في الفاقة والعوز، كان البشير يشتري اليخوت الفاخرة ويشيد المستشفيات ذات الطرز العالمية في جيبوتي وغزة وهناك ٢،٥ مليون طفل وأم سودانية يعانون من سوء التغذية ، كان البشير يطرز في قوانين النظام العام وقوانين مصادرة الحريات بينما نصف مليون طالب من طلاب المدارس بالعاصمة الخرطوم لا يتناولون وجبة الإفطار ، كان البشير يخطب في ود الساسة ويبذل لهم المناصب بينما كان أطفال عطبرة يعانون من غلاء الخبز ، فخرجوا ثائرين وتبعهم الشعب المقهور والمظلوم والجائع حتى اطاحوا بالبشير ، فهل تعلم الحكومة الانتقالية هذه الحقائق؟! هل تعيها؟
هل تعلم يا نصرالدين عبدالباريء ان ٥٨% من السودانيين يعيشون على وجبة واحدة في اليوم؟! هل تعلم يا حمدوك أن ٩٠% من السودانيين النازحين و اللاجئين في المعسكرات يعيشون على وجبة واحدة ؟! هل تعلم الحكومة الانتقالية وقوى الحرية والتغيير أن هناك ٣ مليون نازح و لاجيء داخل السودان من أبناء السودان و من الدول المجاورة ؟! هل الرد الواقعي على هؤلاء هو تغيير قوانين النظام العام!! هل أسلوب بث الأمل في نفوسهم هو ( اللت والعجن ) في تعيين الولاة وفي تحقيق السلام !! ما هذا الذي يحدث ؟!
هناك مثل أميركي شهير يقول (تسير الثورات على البطون الفارغة) ، هذا المثل نهديه لحكومة الثورة علها تفيق من غفوتها، فالقضايا الحياتية المتعلقة بمعاش الناس هي التي تطيح بالحكومات ،اخطر ما يمكن أن تواجهه حكومة الثورة أن يقارن الشعب بين الوضع المعيشي اليوم وأيام البشير ولا يشعر بالفرق . واخطر ما يهدم الثقة بين الشعب والثورة أن يشعر الفقير بانه ازداد فقرا وأن لا يرى تغييرا ولو طفيفا في حياته من الأسوأ نحو الأفضل ، الغلاء وفقر الشعب سوف يستغله أنصار الدولة العميقة، و النشطاء الذين يعملون ليل نهار على تمزيق الوثيقة الدستورية و تصوير الوضع الراهن كامتداد لنظام البشير . لذلك السبيل الوحيد لدرء خطر هؤلاء هو توفير معاش الناس .
الحكومة عليها أن تفرغ من جدول أعمالها اليومي أكثر من النصف لمتابعة المعاش بصورة لصيقة ، فهذا هو الامر الذي يحتل المقام الأول في اهتمامات المواطنين ، والباب البجيب الريح على الحكومة ان تسده لتستريح . الخبز يجب ان يتوفر في كل بقالة و كل سوق وكل محطة في السودان ، يجب ان يتوفر و لو يبيت حمدوك في مخبز في الفاشر ويبيت حميدتي في مخبز في كسلا ويبيت البرهان في مخابز الخرطوم، هذا أمر لا تهاون فيه ، الطعام مقدم على القوانين الخلافية ومقدم على استرجاع قطع الأراضي من الحرامية .
الوقود كذلك عليه ان يتوفر وأن تتوفر معه المواصلات ، وان لا يشكو اي مواطن من الوقوف امام المحطات او الوقوف في انتظار المواصلات لساعات طوال ، هذا يجب ان ينتهي ولو يتم ارسال كل سيارات الوزراء لنقل الموظفين والمواطنين ويصل الوزراء الى وزاراتهم حبوا او على أرجلهم ، فهذه الأشياء هي ما تشعر المواطن بالدولة وباهتمامها به ، لا يهم المواطن من يحكم حمدوك او حميدتي او عقار ، بل يهمه هل يوفر الحاكم له التعليم والصحة والخبز والمواصلات بكرامة ام لا ؟
معركة التغيير الاهم بالنسبة للمواطن خارج باب بيته مباشرة في البقالة والمخبز والمواصلات ، وليس في سيداو ولا الليبرالية ولا الرأسمالية ولا الشيوعية ، المواطن ليس نبيا ولا كادرا سياسيا ولا ناشطا مدافعا عن الحقوق ، هو شخص بسيط يحلم بالبيت والسيارة والزواج والأطفال والسعادة ، لا تعاملوهو كانه مارتن لوثر كينج او غاندي او تولستوي عاملوه كما هو محمد احمد السوداني الذي يهمه أن يوفر لأسرته عيشا كريما في وطن كريم .
اذا جاع الشعب سيثور ولو حكمه أنبياء ، واذا وجد الشعب خبزا يسد رمقه ومواصلات توصله إلى محل كسب رزقه ، فهو سيصبر على حكومة الثورة إلى ما شاء الله ، وسيستمتع بالجلوس أمامها للاستماع للخطب العصماء والتحولات الكونية و الأيديولوجيات، و سيجد وقتها رفاهية ان يناقش و هو مبتسم . البطون الفارغة لا تعرف الصبر ولا الحكمة ، و لا يمكن مخاطبتها الا بلغة توفير الخبز ، فوفر لها الخبز قبل أن تسير إليك على ظهر ثورة جديدة .
sondy25@gmail.com