قرار وزارة التعليم العالي القاضي بالسماح للجامعات بإستئناف الدراسة عبر الإنترنت إلى حين العودة إلى الجامعات عقب إنهاء الإغلاق الكلي بسبب جائحة فيروس كورونا. هذا القرار ثوري بالفعل ويشبه الثورة ، يشبه العصر الذي نعيش فيه ، عصر المعلومات الرقمية والسرعة والإنترنت، عصر قادت فيه صفحة على الفيسبوك ثورة كاملة لشعب السودان ، عصر تحول فيه العالم من عالم متباعد الجغرافيا إلى عالم متداخل، متشابك، لا تفصل بين اقطابه الأربعة الا ضغطة زر لا تستغرق سوى ثانية واحدة ، الذين ينتمون لهذا العصر سيعلمون ان هذا القرار هو القرار الصحيح وعلى الجميع التكيف للتعامل معه ، أما الذين لا يستوعبون المستقبل القريب الذي يطرق ابوابهم فهم يظنون أن هذه الخطوة سابقة لاوانها وهم مخطئون .
في شهر مايو من هذا العام كتبت مقالا بعنوان ( كيف يستفيد المواطن السوداني من الحظر المنزلي؟ ) شجعت فيها على استخدام التعليم عن بعد للطلاب في ظل الحظر ، وقد وجدت رسالة مشجعة على بريدي الالكتروني ردا على المقال من الأستاذ يوسف هشام المدير الاداري لمدارس لقسي جاء فيها ( قمنا بتطبيق التعليم عن بعد هنا في السودان بمدرسة لقسي منذ شهر مارس في السنوات الدراسية للأساس وسنوات التمهيدي. وقد انتهينا من جميع المناهج في يوم الخميس الموافق السابع من مايو باستثناء بضعة دروس قاربت على الانتهاء. وقد كان سبب نجاحنا في تطبيق التعليم عن بعد هو تفاني المدرسين في توصيل الدروس للطلاب في منازلهم مستخدمين تطبيق seesaw وأيضا كان تعاون أولياء الأمور معنا في متابعة الدروس مع أبناءهم وبناتهم في المنازل وتسليم الواجبات عبر نفس التطبيق عاملا أساسيا في تحقيق الهدف المنشود، وهو تعليم الطلبة عن بعد والإستفادة من هذه الفترة إيجابيا. وما قمنا به سويا كمدرسة وأولياء أمور وطلبة يمكن الإستفادة منه كنموذج يحتذى به في المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى، فقد واجهتنا عدة تحديات خلال الفترة السابقة وقمنا بتجاوزها عبر المثابرة والعمل الجماعي، وتجربتنا قد تجنب غيرنا من المؤسسات التعليمية الكثير من العقبات التي سيواجهونها حين يأتي وقت تطبيق التعليم عن بعد) .
تجربة مدارس لقسي مشجعة فتغطية الإنترنت في السودان جيدة مقارنة بدول كثيرة حول العالم ، وبالتالي ليس من المنطق الاستسلام وعدم اقتحام هذا المجال لاكتساب الزمن والاستفادة منه في ظل ظروف الجائحة التي لا يعلم احد متى تنتهي ، ما يصرفه الطالب على مواصلاته وفطوره وسكنه في الجامعة فليصرفه على الإنترنت لحضور المحاضرات من منزله ، لمشاكل الانترنت قد يصعب استخدام منصات التعليم المباشر مثل ويبيكس والزووم ، لذلك الافضل ان تكون الدراسة على طريقة مواد تعليمية فيديوهات وتسجيلات صوتية وعروض تقديمية ترسل من الجامعة للطلبة على روابط الكترونية لتحميلها ودراستها ، دخول الإنترنت ليوم واحد خلال الأسبوع وتحميل مواد الاسبوع كاملة سيكون كاف جدا للتغلب على ظروف ضعف الإنترنت والكهرباء لدى بعض الطلاب في المناطق التي تعاني من عدم اوضعف الإنترنت والكهرباء ، الطالب يسمع ويشاهد ويلخص في منزله كما يفعل في قاعات الجامعة، سيكون الأمر في بداية الأمر غريبا وصعبا ولكن مع الايام سيصبح سهلا وميسرا وسيوفر الزمن والجهد والأموال للطلاب وأسرهم .
وزارة التعليم العالي حسب تصريحاتها سوف تقوم بتوقيع اتفاق مع شركات الاتصالات لإتاحة شبكة الإنترنت للتعليم عن بعد عبر الوسائط الحديثة وعدم تحميل الطلاب تكلفة الدراسة، على أن تتحملها الوزارة بالاتفاق مع الشركات. وهذا حديث مشجع جدا . في عام ٢٠١٨ بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في السودان أكثر من ١٣ مليون مستخدم بينما بلغ عدد من يحملون الجوالات ٢٨ مليون شخص حسب التقارير الرسمية ، اتوقع مع الثورة التي تعتمد على الوسائط في نقل الأحداث فإن الرقم سيكون تضاعف بصورة مذهلة مما يجعل في كل أسرة شخصا او أكثر يحمل تلفونا ويستخدم الإنترنت، وهو ما يكفي ليجد الطالب في أي منطقة جهازا لتحميل مواد دراسته .
المدارس والجامعات الخاصة سيكون سهلا عليها جدا البدء مباشرة في التعليم عن بعد، بينما سيكون على الجامعات الحكومية ان لا تستسلم وان تدخل هذا المجال ولا تجعل طلابها يتأخرون عن رفقاءهم في الخاص ، كل شيء يبدو صعبا في البداية ولكن الإنسان قادر على التأقلم وقادر على تكييف وضعه مع التحديات الجديدة والتغييرات السريعة ، اعلنوها وستجدون العون من الطلاب وأسرهم بإذن الله .
sondy25@gmail.com