حقيقة لن تخذلك الذاكرة حتى لو بلغت الستين عاما من العمر، عندما تتحدث عن عهد الصبا ووقت الدراسة الممتعة والمدرسة والزمن الجميل والبراءة ونظافة وطاهرة القلب ونقاء وصفاء العقل الذي لا يفكر في خبث وشر. وقال الشاعر: ذهب الشباب فما له من عودة .. واتى المشيب فأين منه المهرب؟
وقال الشاعر إيليا أبو ماضي أيضا في نفس النسق.
قال الصبا ولي فقلت له اتسم .. لن يرجع الأسف الصبا المتصرما.
تعود بي الذاكرة اليوم وانا تلميذ في الصفين الخامس والسادس الابتدائي في مدرسة بخت الرضا العتيقة، وبالذات في مبنى خامسة وسادسة النجومي ذكريات سرة ومازالت متعلقة ومنحوتة بفي مخيلات لذهن والعقل والفكر ، وأبدا بأساتذتي الاجلاء مدير النهر عزالدين آدم وزملاؤه : محمد عبد الوهاب الشعراني ( اللغة العربية) الفتاح عمر (معلم مادة التأريخ) وهي المادة التي كنت أحبها كثيرا، المرحوم علي الدقيل ( الرياضيات وعندي مع ههذ المادة قصة طويلة)، طه ( التربية الإسلامية) وإدريس إبراهيم عبد المعطي ( العلوم) وحمودي بابكر ( الرياضة والجغرافيا) واحيانا اللغة العربية). هكذا تذكرت المعلمين وكانهم امامي الآن هكذا التربية والتعليم زمان، والآن حدث ولا حرج لا تعليم ولا تربية، انهم معلمين بمعنى الكلمة علم وأخلاق وتعامل حسن معلمك يعرف عنك كل شئ، وكانه مثل والدك او شقيقك الأكبر في البيت، وفي ظل هذه العوامل لن تستطيع ان تفعل شيئا خطأ انت وزملائك الآخرين، الفصل يحتوى أقصى حد 40 تلميذا او أقل من ذكل، كل المعلمون يعرفون الطلاب حق المعرفة، وعندما يدخل المعلم الفصل من أول وهلة وبنظرة فاحصة، أين فلان، ولماذا غيرت مكانك ؟ أرجع إلى مكانك ولا ننسى أن هنالك (أبو الفصل) يعني بلغة اليوم المرشد الطلابي وهو يعرف عنك كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة.
أذن ندخل الموقع الجغرافي للفصل ومازالت اتذكره بأدراجه ووجوه زملائي، ومن الصفوف الخلفية احمد الماظ (من أفضل الحكام الدوليين الذين مروا على السودان كان لاعبا مهارا وفذا)، محي الدين همام وبضحكاته المجللة ( اخطر جناج شمال مر على منطقة النيل الابيض اختير ضمن منتخب المدارس في الدورة المدرسية)، حافظ حسين الزبير الصامت ذوي الأخلاق العالية المتواضع، عمر عبد الماجد ( السائح المتواصل ذو العلاقات الاجتماعية القوية الحميمة)، عبد الباسط ( ود بامبا) لان أصوله من صعيد مصر ـ أمامنا في الصلوات) . وألقى نظرة أخرى من الجانب الآخر للفصل ( المرحوم مهدي ود الصول ـ صاحب الحنجرة الموسيقية). وهنا لابد أن أقف وأركز في هذه الفقرة للحديث عن تجربة التعليم المختلط ( بنين وبنات) حيث طبقت فصول بخت الرضا هذه التجربة منذ زمن بعيد، اعتقد قلما نجحت فيها دولة في ذلك الوقت غير السودان: زميلاتنا بل اخواتنا بحق وحقيقة: سهير عبد المجيد، منى عامر بابكر، عواطف على عبد الله، نهى عكاشة أحمد الجعلي والدها من رواد التعليم في السعودية، ورشيدة محمد أبو جاهو. تعامل أخوي راقي وكن ينافسن في المراكز المتقدم في النتيجة الاكاديمية (أقصد ترتيب الفصل). وأرجع إلى رفقاء الزمن الجميل وأذكر أبن عمتي ( فاطمة لعوتة) ميسرة علام علي المحامي البارع ( القانون يمشي على قدمي)، كان يحب الاطلاع وقراءة الكتب البوليسية ( تخت)، وحريص على شرائها أول باول من مكتبة غانم أول مكتبة وطنية في المدينة ومن أوائل المكتبات في السودان ولديه تعامل خاصة في التعامل وهو أرجاع الكتب المتسلف نظيفا كما أخذته، وجاره في الفصل محمد الشيخ (ابن الساعاتي) والذي كان مولع بموهبة بالتصوير والفن الفتوغرافي وذهب إلى مصر ودرس وهنالك وطور نفسه اكاديميا،وبالقرب منه العزيز أبو بكر عمر البشرى التلميذ النجيب وكان أذكى الفصل وأكثرهم سكوتا وصمتا وهدوءا، واتذكره حتى الىن عندما جاء من سنار وانضم إلى فصلنا بكري البشري يمتلك عقل نضيف ذهب إلى باكستان بحثا عن الدرسة الجامعية، ودرس الزراعة وتعلم اللغة الأوردية وألقى حفل خطاب التخرج باللغة الأوردية فتعجب منه الباكستايين، ومن الأشياء التي لم استطيع استعابها عقليا حتىالىن انني لم أصدق ان بكري وصديقه محمد احمد عبد الله الملقب والده بـ ” الأطرش” وصديقي الحميم وابن حارتي عادل عبد الرحمن حميدة (ود الليبيح) وأيضا جاري في الفصل، لم يرافقوننا إلى الدخول إلى جامعة الخرطوم لاني أعرف قدراتهم الاكاديمية والاستيعابية ومستوى الفهم الذي يمتلكونه، وحتى هذه اللحظة لم أصدق هذا الحدث. ومن الأشياء التي مازالت تخلد بالذاكرة انك تتحفظ بعلاقة صديق منذ الثامنة من عمرك، وحتى الآن والتي تتمثل في علاقتي مع اخي ورفيق دربي الدكتور عادل الليبيح الذي درس علوم الطب في مدينة الأسكندرية بمصر الحبيبة، وهذه العلاقة لها أسس وجذور اجتماعية لان امي كانت صديقة حميمة لامه، وقد يكون هذا السبب الأساسي الذي بنى عليه أركان هذه العلاقة ، ولكن لا ازكي الدكتور عادل الليبيح على الله هذا الرجل ذو أخلاق عالية أدبا ودينا ومكانة اجتماعية.
وهنا أ تذكر أيضا زملاء في هذا الفصل يعقوب محمود الصديق القديم، والحارس خوجال محمود من حي تكساس في الدويم، وبكري الذي كان يلقب بالعكرة وأشرف شر الدين الذي يحيطه ويتوج نفسه بالهدوء من كل جانب، وعبد الخالق الريس المولع بشغف الكرة والجعلي أبن مبروكة، وعثمان الغالي المعلم القدير الذي يقدم الآن للجيل الجديد نموذجا حيا بمفهوم ماذا يعني خلق المعلم وما دوره؟. واعتذر أذا لم أذكر زملاء آخرين. في هذين الفصلين تعلمنا كيف نتأهل تربويا واخلاقيا واجتماعيا ومن ثم علميا واكاديميا. ولي قصة من الاستاذ طه الذي علمين كيف اخرج وصمم صحيفة حائطية حيث عملت عدد خاصة عن وفاة ورحيل الرئيس جمال عبد الناصر 28في سبتمبر 1970 وقتها كنا مولعين بثورة 23 يوليو والتغييرات التي أحدثها هذا القائد على مستوى العالم العربي وخاص السودان وكيف تغيير الخريطة الجغرافيا ـ السياسية، ولربما كانت هذه الانطلاقة الاولية للدخول في عالم الصحافة حيث واصلت في إعداد إخراج الصحف الحائطية المدرسية في المرحلة المتوسطة. وقد نمت هذه الموهوبة من خلال استمرار في الاطلاع على الصحف اليومية التي تصدر في السودان أبرزها صحيفتي الصحافة ورئيس تحرير ىنذاك عبد الرحمن مختار وصحيفة الأيام ورئيس تحرير محجوب محمد صالح، وحقيقة الفضل يعود إلى تنمية هذه الموهوبة خالي ووالدي الشيخ محمود صوت المدينة الاعلامي ومراسلة صحيفة الأيام من الدويم الذي يجلب الصحفتين يوميا وأيضا شقيقي الأكبر عباس حسن لعوتة الذي ايضا يجلب معه هذه الصحفتين وصحيفة الرأي العالم. ذكريات جميلة وعطرة وحلوه إذا كانت مليئة بأيام فريدة واحداث لها تأثير على الإنسان. وقال الشاعر عن الذكريات الجميلة: رجع زمان الأمس من صفحاتي ما أجمل الأيام بعد فوات ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينها دوماً إذا ذاق الفؤاد بأهات زمن تولى من ربيع حياتنا في ظله ما أجمل الأوقات نلهو ونمرح والسعادة عندنا ما أصدق البسمات والضحكات