السودانيون اليوم في غبطة وسرور وهم يشاهدون من انقلبوا على الديمقراطية في ليل ٣٠ يونيو ١٩٨٩ وهم يقفون أمام القضاء من أجل محاكمتهم ، شريط طويل مر على الكل وهم يشاهدون المخلوع في زي السجن ، ويشاهدون علي عثمان ونافع وبقية الشلة الانقلابية وهم أذلة امام القانون بعد أن ملئوا هذه الأرض استعلاءا وخيلاء أيام حكمهم ، فتبادر إلى ذهن الجميع قول الله تعالى ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )
من أكبر الأخطاء في التاريخ السياسي السوداني عدم محاكمة الانقلابيين، لو تمت محاكمة عبود بعقوبة رادعة لربما كان ذلك رادعا للنميري والحزب الشيوعي ولما فكروا في الانقلاب على الديمقراطية ، لو تمت ملاحقة النميري والاتيان به من الخارج ومحاكمته بصورة عادلة على جريمة الانقلاب ربما كان في ذلك رسالة واضحة في بريد الجبهة الإسلامية وعمر البشير وربما لم يفكروا في الانقلاب ، فرط الشعب في محاكمة الانقلابيين فدفع ٥٢ سنة من عمر سني استقلاله ال ٦٤ في شمولية مقيتة ولم يعش في الديمقراطية الا ١٢ سنة من ضمنها هذه السنة ، لذلك اذا اراد الشعب السوداني المحافظة على ديمقراطتيه الراهنة الوليدة فعليه أن ينزل أقصى العقوبات بمنفذي انقلاب يونيو ١٩٨٩ من العسكريين والمدنيين وجعلهم عبرة لمن يعتبر ، تمثلا بقيمة القصاص الرباني ( ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب ) .
لا يخفى على الجميع ان الفترة الانتقالية تواجه بمتربصين كثر، من داخل بعض مجموعات الثورة التي تخشى الانتخابات والشرعية الجماهيرية ، ومن مجموعات لها علاقة بالنظام المخلوع وتخاف على مصالحها ونفوذها في حال وصول قطار الانتقالية إلى محطة الانتخابات ، هؤلاء جميعا يعملون بشكل حثيث من أجل الانقلاب على الثورة وإقامة نظامهم الاحادي الجديد، هؤلاء جميعا سيحاولون التأثير على سير هذه المحاكمة ومنعها من الوصول إلى معاقبة الانقلابيين بصورة رادعة تردعهم وتردع كل من يريدون استقطابه لصالح مشاريعهم الانقلابية ، الوصول إلى الحكم الرادع في هذه القضية سوف يمثل لطمة قوية لاحلام وطموحات هذه المجموعات الخارجة عن إجماع الشعب والمتمردة على قيم ورسالة الحرية والديمقراطية .
قضية انقلاب الإنقاذ هي قضية واضحة وصريحة والأدلة والبينات عليها لا تعد ولا تحصى ولذلك فهي يجب أن تكون محاكمة مباشرة ، إذ لا يستطيع عمر البشير ان ينكر انه قام بانقلاب الإنقاذ، ولا يستطيع على عثمان وعلي الحاج وكل كوادر الجبهة الإسلامية التهرب من حقيقة قيامهم بالانقلاب ، هذا الفعل يشهد عليه ملايين السودانيين الذي كانوا احياء في ليلة ٣٠ يونيو ١٩٨٩ ومازالوا ، وتشهد عليه ألسنة جميع الانقلابيين وتصريحاتهم الموثقة بالصوت والصورة سواء البشير او الترابي إو علي عثمان او نافع او على الحاج او غيرهم ، وبالتالي ليست هناك حوجة أصلا في هذه القضية لتحقيق ، فالبينة واضحة وضوح الشمس .
من المؤسف أن جماعة انقلاب الإنقاذ لم يعتذروا للشعب السوداني ، حتى الذين خرجوا من الإنقاذ في حزب المؤتمر الشعبي لم يعتذروا بل استكبروا واصروا على صحة الانقلاب ، بل قال الدكتور علي الحاج في لقاء في منزله في أيام ثورة ديسمبر هذه انهم قاموا بالانقلاب لأن الظروف كانت تفرض ذلك وانهم اذا رجعوا إلى ذلك الوقت لقاموا مرة أخرى بهذا الانقلاب ! هذا التكبر على الشعب وعلى شرعية الحكم الديمقراطي يستحق عقوبة تجعل كل انقلابي يفكر ملايين المرات قبل القيام بالانقلاب .
ياقضاة السودان وأهل القانون فيه ، أمامكم فرصة تاريخية لاستعدال بوصلة السياسة في هذا البلد ، لا تأخذكم بالانقلابيين رأفة ولا رحمة، فهذه البلاد وهذا الشعب قد ذاق من أذى وعذاب وقتل الأنظمة الشمولية ماذاق ، وحان أوان أن يقتص لشهدائه ولديمقراطيته ولشرعية حكم الشعب ، حان الاوان ان تشفى هذه البلاد من مرض الانقلابات الذي اقعدها واوردها موارد الهلاك ، حان اوان ان تودع هذه البلاد إلى الأبد عهود الانقلابات والانقلابيين وتخرج لسوح الديمقراطية المستدامة وبراح الحرية والعدالة .
sondy25@gmail.com