تقرير: إسماعيل محمد علي
يتطلع دبلوماسيون وسياسيون سودانيون إلى أن يأخذ السودان مكانه الطبيعي في علاقاته الخارجية، في ضوء التغييرات التي شهدها أخيراً بعد إطاحة نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، الذي تسبب في عزل البلاد دوليّاً بموجب 60 قراراً صدر بحقه، نتيجة ممارساته الخاطئة والعدائية طوال فترة حكمه الممتدة لأكثر من 30 سنة.
ألغام أرضية
وفي
هذا الصدد، يشرح وزير الخارجية السوداني الأسبق إبراهيم طه أيوب، لـ”اندبندنت
عربية”، رؤيته لسياسة بلاده الخارجية الجديدة، قائلاً “بقي السودان
قرابة ثلاثة عقود معزولاً دبلوماسيّاً، وكان على الحكومة الانتقالية الجديدة أن
تتحسس طريقها للعودة إلى الأسرة الدولية، وسط ألغام أرضية عديدة، تمثلت في رفض
المجتمع الدولي القبول بالسودان القديم الذي ناصب العالم العداء، لسعيه إلى تصدير
فكرة الإسلام السياسي إلى دول الجوار، وخارج نطاقها، وجعله البلاد بؤرة إرهاب دولي
منظّم، فضلاً عن الاعتداء على رؤساء الدول الأخرى”.
وأضاف،
“لم يكن من السهل على النظام السوداني الجديد إقامة علاقات دولية سوية في هذا
الجو المضطرب، فكان عليه أن يخطط لسياسة خارجية تمكّنه من إقناع الآخرين بصدق
نياته الحسنة، نحو لعب الدور المنوط به في مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر،
واحترام حقوق الإنسان، وإعطاء المرأة حقّها المنصوص عليه وفق القوانين
الدولية”.
وتابع
أيوب “الحكومة الانتقالية وضعت سياسة خارجية تحدد المبادئ والأهداف والوسائل
التي تمكّنها من تحقيق مصالحها القومية، والوصول إلى انتهاج علاقات إقليمية ودولية
متزنة. واستخدمت الدبلوماسية في مجال التعاون الدولي، وحلّ المشكلات العديدة التي
تواجه البلاد، سواء على مستوى الوضع الاقتصادي المتردي، الذي ورثته من النظام
السابق، أو تقاعس المجتمع الدولي عن تقديم يد العون، لانتشالها من الهوة
السحيقة”، لافتاً إلى أن “مؤتمر برلين الذي أسس على الشراكة بين السودان
والمجتمع الدولي، بإمكانه على الرغم من بعض التحفظ أن يساعد على إخراج البلاد من
الوضع المتدني اقتصاديّاً”.
مشكلات الحدود
وحدد
وزير الخارجية الأسبق عدداً من التحديات التي يمكن للدبلوماسية السودانية الجديدة
السعي لمواجهتها، من أهمها “مشكلات الحدود” التي ورثها السودان من
الاستعمار، وتمكّنت بعض دول الجوار من استغلال ضعف بعض الحكومات السابقة، واحتلت
بعض الأراضي السودانية، كما فعلت مصر مع مثلث حلايب ونتوء وادي حلفا، وإثيوبيا مع
الفشقتين الصغرى والكبرى، واحتلال أفريقيا الوسطى منطقة بحيرة أن دافوق. كما يجب
على الدبلوماسية السودانية أن تسرّع بالتوقيع على الاتفاقية الإطارية لدول حوض
النيل لعام 2010، على الرغم من ضعف موقف السودان خلال النظام السابق، بانقياده إلى
مصر، وتأييد موقفها الفردي الذي يتّصف بكثير من الأنانية.
كذلك
من القضايا التي من شأنها أن تقلق مضاجع الدبلوماسية السودانية قضية البحر الأحمر،
التي تهم سلامة المنطقة، بعيداً عن التوترات الدولية والإقليمية، إذ إن أي إغلاق
للمنطقة في وجه الملاحة يجعل السودان دولة مغلقة، لا منفذ لها على البحر، فضلاً عن
أهمية السعي لدى السعودية، لتصحيح خطأ الاتفاقية السعودية المصرية التي أعقبت ضم
جزيرتي صنافير وتيران التي تعترف بمثلث حلايب ضمن الخريطة المصرية، وهو خطأ فادح
يتعارض كلية مع اتفاقية سابقة وقعت بين السعودية والسودان حول اقتسام موارد البحر
الأحمر.
كما
طالب أيوب بتكاملية الأدوار وتداخلها، مع الاعتراف بحق كل الدول في تنمية قدراتها
والاستفادة من مواردها بالطرق الخاصة بها، إضافة إلى بذل الجهود مع الأمم المتحدة،
ووكالاتها المتخصصة في تنمية قدرات الدبلوماسية السودانية.
تشويه وتجريف
بينما
يؤكد مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان أن الدبلوماسية
السودانية تعرّضت خلال الـ30 سنة الماضية في ظل نظام البشير إلى تشويه لا يوصف،
بعد أن كان السودان نموذجاً يحتذى في هذا المجال، مضيفاً “لقد كانت سنوات
كارثية، حدث فيها تجريف للعلاقات السودانية الخارجية مع دول الإقليم والجوار والمجتمع
الدولي، من دون أن تُراعى مصالح السودان العليا، وكذلك من دون الاعتماد على مرجعية
فكرية، بل جلبت للبلاد علاقات سيئة وغير مبررة، فضلاً عن دخولها في محاور مشبوهة،
لا تتناسب مع رغبات وتطلعات شعبه، ما انعكس سلباً على كل مناحي الحياة، بخاصة
الاقتصادية”.
ويبيّن
أن هذا التجريف يتطلب من الحكومة الانتقالية السودانية، ممثلة في دبلوماسيتها في
الخارج، بذل جهد كبير، لإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي، وقد حدث بالفعل بعض
التقدّم الملحوظ من خلال زيارة رؤساء دول ومسؤولين كبار ووفود بعثات دولية
السودان، إضافة إلى زيارات رئيسي مجلسي السيادة والوزراء السودانيين لعدد من الدول
الكبرى، ما يعد مؤشراً جيداً لاستعادة السودان جزءاً من مكانته دوليّاً. كما أن
قيام واشنطن بترفيع مستوى تمثيلها الدبلوماسي خلال أغسطس (آب) المقبل، من درجة
القائم بالأعمال في سفارتها بالخرطوم إلى سفير، يعدُّ خطوة كبيرة، وإن كان ينقصها
عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية الإرهاب، باعتباره من تركة النظام
السابق التي لا يجب أن يتحمّلها السودان بعد التغيير الذي حدث بإطاحة هذا النظام
الإرهابي.
إنهاء الحرب
ويلفت
عثمان إلى أنه مطلوب من سفراء السودان الجدد العمل على تحديد مصالح البلد، وتوطيد
علاقاته مع كل الدول على حد سواء، ليكون السودان رائداً ومهندساً في مجال
الدبلوماسية، بدلاً من أنه تابع يعرض بضاعة رخيصة الثمن، وأن يتعامل سفراؤه بأسلوب
وطريقة ونهج جديد قائم على الاحترام، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير،
والاهتمام بدول الإقليم والجوار، خصوصاً دولة جنوب السودان، التي يفترض أن تكون
العلاقة معها ذات طبيعة خاصة، لدورها ومساعيها الحثيثة في تحقيق السلام مع حاملي
السلاح، وكذلك الاهتمام أيضاً بدول مجموعة أصدقاء السودان التي تعمل على دعم
الحكومة الانتقالية، وهي مؤشرات تدل على أن بلادنا الآن تخطو خطوات مثمرة، وأنها
في الطريق السليم.
كما أنه مطلوب من السفراء السودانيين إطلاع المجتمع الخارجي على
التغييرات السياسية الكبيرة، التي حدثت في البلاد، وما لازمها من سلمية، والجهود
الجارية لإزالة طرق التمكين التي اتبعها النظام السابق، ليصبح السودان دولة قانون
قائمة على الحرية والسلام والعدالة، وهو شعار الثورة الذي أطلقته منذ اليوم الأول
لاندلاعها، إضافة إلى شرح جهود الحكومة في إنهاء الحرب، وتوقيع عدد من الاتفاقات
مع الفرقاء، تمهيداً لتوقيع الاتفاق النهائي قريباً، باعتباره أولى أولويات
الحكومة، فضلاً عن فتح أسواق جديدة للصادرات السودانية، ومحاولة جلب استثمارات،
وإبراز مقدرات السودان وموارده الطبيعية والبشرية وإمكاناته المتاحة للاستثمار
كبلد رائد في هذا المجال.
ونوه
عثمان إلى الخطوات التي خطاها المجتمع الدولي تجاه السودان، التي انعكست على صورته
الحقيقية، بأنه بلد متسامح وعاشق الديمقراطية، وبعيد كل البعد عن الإرهاب وأشكاله.
وهي مؤشرات جيدة تشير إلى أنّ السودان في طريق استعادة دوره. لكن، توجد بعض
القضايا التي تؤخّر توطيد هذه العلاقات بشكل سريع، من أهمها وضع السودان في قائمة
الإرهاب، وهو موضوع يحتاج من الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر فيه، وأهمية
الاستفادة من محاولات ومبادرات تخفيف الديون الخارجية.
تعطيل
الإنتاج
وفي
المقابل يوضح مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون القانونية إسماعيل كتر
أن “السودان ورث دبلوماسية ملوّثة، وعلاقات خارجية متدهورة وفاترة مع معظم
دول العالم، كما دخل طوال الـ30 سنة الماضية في محاور ليس له قدرة على تحمّل
تباعاتها، فضلاً عن تعميق ارتباطاته بمنظمات إرهابية سيئة السمعة، جلبت للبلاد
مشكلات لا تحصى ولا تعد، ولا تزال الحكومة الحالية تدفع ثمنها، إذ بسببها طال
السودان أكثر من 60 قراراً دوليّاً، ناهيك بما فرض من عقوبات اقتصادية وضعت اقتصاد
البلاد في أدنى مستوياته، بسبب منع المؤسسات المالية في دول العالم أجمع من
التعامل مع المصارف السودانية، بالتالي أدّى هذا الحظر إلى تعطّل عجلة الإنتاج
وتوقف أعمال التنمية، وانهيار العملة المحلية أمام نظيرتها الأجنبية، وغيرها من
الآثار المدمرة”.
وأضاف،
“أولى أولويات الدبلوماسية السودانية الجديدة العمل على إصلاح ما أفسده
النظام السابق من علاقات مع الدول الكبرى والمتقدمة، مثل أميركا ودول الاتحاد
الأوروبي، وبريطانيا، وأميركا الجنوبية، ودول آسيا وأفريقيا، خصوصاً دول الجوار،
والسعي إلى بناء صورة حقيقية للسودان المتسامح والمتنوّع الأعراق والإثنيات
والثقافات، فضلاً عن إبراز الوجه المشرق للسودان وجغرافيته، ومحيطه، وفاعليته
كواحد من البلدان الرائدة في هذا المجال، حتى يُعرف السودان على حقيقته، بأنه بلد
له إرث تاريخي عظيم في احترام علاقات حسن الجوار، وكذلك مع الدول الصديقة من دون
التقيد بمحاور وأيديولوجيات، لكنه كان تحت قبضة تنظيم إرهابي، لا يحترم حقوق
الإنسان والحريات، وسخّر كل إمكانات البلاد في ممارسات وأعمال مضرة، ولا تمت
للإنسانية والإسلام بشيء”.
بقرة
حلوب
وأشار
كتر إلى أنه على سفراء السودان الجدد الاهتمام بالمغتربين السودانيين في بلدان
الخليج على وجه الخصوص وغيرها، وتغيير سياسة النظام السابق الذي كان ينظر إليهم
كبقرة حلوب، إضافة إلى العمل على تغيير نظرة العداء تجاه اللاجئين السودانيين في
البلدان الغربية، الذين اضطروا إلى مغادرة البلاد قسراً، بسبب سياسات نظام البشير
الظالمة، وممارسته البطش ضد خصومه السياسيين، وذلك باحتوائهم واحتضانهم وتعريفهم
بمجريات التغيير الذي حدث، وجعل السودان بلداً حراً ومتسامحاً مع شعبه.
كما
من أهم أولويات المرحلة المقبلة للدبلوماسية السودانية الانفتاح على الصناديق
والمؤسسات المالية الدولية، وكسب الدعم الإقليمي، باعتباره رأس الرمح، لإعادة
علاقاتنا مع المجتمع الدولي، الذي كان متجاوباً مع الثورة الشعبية، ومعجباً
بسلميتها، وكلنا تفاؤل بأن يعود السودان إلى أحضان المجتمع الدولي، بوصفه أحد
البلدان التي لها ثقل وتأثير دبلوماسي، كما عُرِف في الحقب الماضية.
تعزيز
الشراكة
وكان
رئيسا مجلسي السيادة عبد الفتاح البرهان، والوزراء عبد الله حمدوك، قد التقيا خلال
هذا الأسبوع 12 سفيراً سودانيّاً جرى تعيينهم في سفارات السودان بكل من واشنطن،
وبروكسل، وأديس أبابا، والقاهرة، وجنيف، وبرلين، ودار السلام، والكويت، والرياض،
والدوحة، وبرازيليا، وبوخارست.
وركّز
اللقاء على حرص واهتمام الدولة السودانية بتعزيز وتطوير علاقات البلاد مع الدول
كافة، تحقيقاً للمصالح العليا، بخاصة أن موقف السودان من القضايا الإقليمية
والدولية يستهدي بمبدأ تحقيق مصالح البلاد العليا، مهما كانت الخلافات ومحاولات
التأثير في موقفه، وأن السودان لن يحيد عن هذا المبدأ الأساسي في التعامل مع
القضايا الخارجية المرتبطة بدول العالم كافة، فضلاً عن أهمية تعزيز الشراكة
الاقتصادية مع تلك الدول، والعمل على جذب الاستثمارات، لدعم الاقتصاد الوطني في ظل
المرحلة التاريخية والحساسة التي يمر بها السودان، إضافة إلى تأكيد دور الدبلوماسية
والدور الطليعي لوزارة الخارجية السودانية من أجل تعزيز وتوطيد علاقات السودان
الخارجية.