جدل كثيف يدور حول تعيين أنثى في منصب الوالي ، وهو جدل وصل عند البعض إلى درجة التشكيك في قدرة المرأة السودانية على قيادة ولاية!!، وهذا تشكيك بائس ، فتاريخ المرأة السودانية حافل بالعطاء في العمل السياسي، وهي رائدة في هذا المجال على بنات جنسها في الإقليمين الإفريقي والعربي ، ولا يستطيع أي رجل سوداني ان يزايد على نضال الكنداكات وبسالتهن في الجامعات والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وفي المظاهرات والاعتصامات والمواكب .
التاريخ السياسي السوداني الحديث والقديم مليء بالنساء العظيمات ، الكنداكة اماني ريناس تربعت على عرش ممكلة كوش في سنة ٤٠ قبل الميلاد ، هزمت الرومان وحررت أسوان، وجاءت بتماثيل إمبراطور الرومان أغسطس التي ماتزال موجودة في المتحف القومي السوداني ، كما حكمت عدد من الملكات ( الكنداكات ) مملكة كوش، مما يدل على ان جذور المرأة السودانية هي جذور ملكية وتجري في عروقها دماء الحكم والسياسة والقيادة .
اتجاه السودان المبكر نحو تعليم البنات منذ عام ١٩٠٧م كان من ثمراته اقتحام المرأة لكل ميادين العمل العام ، وقاد هذا إلى مشاركة السيدة ثريا الدرديري في عام ١٩٥٣ في لجنة صياغة الدستور/ قانون الحكم الذاتي ، وفيه تم منح المرأة حق التصويت في الانتخابات ، ثم تم النص دستوريا في عام ١٩٦٤ إبان ثورة أكتوبر المجيدة بالنص على حق المرأة في الترشح في الانتخابات ، وأصبحت به الأستاذة فاطمة احمد ابراهيم أول امراة سودانية تدخل البرلمان في عام ١٩٦٥م.
على مستوى الأقاليم عينت السيدة أقنس لوكودو في منصب حاكم إقليم الاستوائية في عام ١٩٩٣ ، بينما شغلت عدد من النساء مناصب وزارية وبرلمانية متعددة في كل الحقب السياسية في السودان ، وعلى مستوى الأحزاب السياسية تقلدت المرأة السودانية أرفع المناصب الحزبية ، ففي ٢٠٠٦ انتخبت هالة محمد عبدالحليم رئيسة لحركة القوى الجديدة الديمقراطية( حق ) كأول امرأة على نطاق العالم العربي والسودان تفوز برئاسة حزب سياسي . وفي عام ٢٠١٤ انتخبت الأستاذة سارة نقدالله امينا عاما لحزب الأمة القومي كأول امرأة تفوز بالانتخابات بمنصب الامين العام لأحد الأحزاب السياسية التاريخية الكبيرة بالسودان .
حكومة الثورة الراهنة تتقلد فيها المرأة مناصب حيوية فهي كانت وزيرة الخارجية وهي ماتزال وزيرة التعليم العالي ووزيرة الشباب والرياضة وهي فوق ذلك رئيسة القضاء ، فليس مستغربا أن تصبح احدي كنداكات السودان والية على احدي الولايات ، اكتب هذا المقال قبل المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء د عبدالله حمدوك المتوقع فيه إعلان الولاة وفي حال اعلان امرأة واليا فإن هذا سيكون خبرا عاديا ، فالمرأة السودانية قد انتزعت حقها في السلطة عبر نضالاتها ولم يمنحه لها أحد ، هي شاركت بجانب شقيقها الرجل في كل مواكب واعتصامات ثورة ديسمبر ، تلقت الرصاص والبمبان واعتقلت وعذبت ولم يثنيها كل ذلك عن مواصلة النضال حتى انتصرت الثورة، فكان انتصار ثورة ديسمبر هو انتصارا للكنداكات واثباتا لجدراتهن بكل منصب .
sondy25@gmail.com