قال الفيلسوف جان جاك روسو، رصيدالديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب بل في وعي الناس . طورت ثورة ديسمبر وعي سياسي جيد اصبح معه رجل الشارع العادي يشعر بانه شخصية مهمة ولها وزن، طيف واسع من السودانيات والسودانيين لم يكن من ضمن اهتماماتهم على الإطلاق الأمور السياسية وقضايا الحكم ، اصبحوا الآن ينامون ويصحون على السياسة، صارت شغلهم الشاغل ، واصبحوا بين ليلة وضحاها محللين سياسيين وعلى درجة عالية من الوعي والفهم المتعلق بقضايا الحقوق والحريات .
الوسائط الاجتماعية الفيسبوك والواتساب تحولت بفعل الثورة إلى برلمانات سياسية، تدور فيها نقاشات عميقة ويومية تتناول كل قضايا الراهن السياسي، وأصبحت أداة من أدوات الضغط والتأثير الحاسم في قضايا مثل المحاكمات الفساد وضعف الوزراء وترشيح المرشحين للمناصب السياسية، لقد حدث تحول دارماتيكي في وعي الناس في بلادنا بفعل الثورة ، وهو تحول لو استثمر بشكل صحيح أفقيا ورأسيا فهو سيقود الى عملية طالما انتظرناها طويلا وهي عملية ( بناء الامة ).
تعلم السودانيون دروسا قاسية بعد أن أطاح الانقلابيين بحكومتي الديمقراطية في ١٩٦٩ و١٩٨٩ وقطعوا على الشعب عملية بناء الأمة ، و لا يود احد ان تتكرر هذه الدروس مجددا مع ثورة ديسمبر ، لذلك هناك حرص شديد من الثوار والجماهير على حماية الثورة والعبور بها رغم التعقيدات الكثيرة التي يعاني منها الوطن ، ومن أعظم هذه التعقيدات موقع الأحزاب السياسية من الفعل السياسي ، في العصر الراهن تمثل الأحزاب السياسية ارفع مستويات تنظيم الجماهير في قضايا الحكم والسياسة ، وتمثل الأحزاب السياسية الضمانة الرافعة لبناء الأمة.
الأحزاب السياسية تهدف إلى تنظيم الجماهير في قوالب لبناء أمة سودانية متطورة تسودها روح الوفاق والسلام والعدالة والديمقراطية، الأحزاب التاريخية لديها دوافع تاريخية ضاربة الجذور في هذه الأرض من لدن ممالك النوبة المسيحية العريقة مرورا بدولة سنار والممالك الإسلامية في شمال ووسط وشرق وغرب البلاد وصولا إلى الوحدة السودانية العظيمة في ظل الثورة المهدية ، هذا التراث التاريخي معين حقيقي يعبر عن قدرة السودانيين تاريخيا على تنظيم انفسهم و توحيدها وإحداث التغيير وتحقيق الانتصارات ، وتسعى الأحزاب للاستفادة من هذا التاريخ وإستنهاض هذه الروح التاريخية في الأمة السودانية من أجل الاصطفاف الموحد لتحقيق الغايات الوطنية في الوحدة والحرية والسلام .
هذا هو العمل السياسي الذي تقوم به الأحزاب السياسية، العمل على تماسك الكيان السوداني ، الحفاظ على الهوية التاريخية، وبناء دولة الحرية والديمقراطية ، لذلك ليس جيدا الهجوم الاسفيري على الأحزاب السياسية المنتشر في الميديا وتصويرها كاجسام عبثية بالمجمل، الهجوم كثيف وغير موضوعي وغير عادل على الأحزاب السياسية ، وهو لا يخدم القضية الأساسية التي تشتغل عليها الأحزاب السياسية وهي بناء الأمة، فهذا البناء الذي يزمع الشعب القيام به يحتاج إلى ( طوب ) والأحزاب السياسية هي هذا الطوب . نقد الأحزاب السياسية من أجل دعمها وتطويرها منطقي، ولكن النقد الهدام الذي ينتشر الان سيقود الأحزاب إلى الضعف والانزواء، وستحل محلها القبلية والجهوية او الشمولية ، فهل هذا ما يطمح اليه أصحاب الهجوم المستمر ( بالصاح والغلط ) على الأحزاب السياسية؟!
sondy25@gmail.com