بالنظر إلى محتوى شعار ثورة ديسمبر ٢٠١٩م السودانية (حرية سلام وعدالة) قد لا نقرأ فقط الروح النشطة، التواقة لمعانقة مستقبل صحيح متخلص من أمراض تاريخ الدولة بالسودان، بل كذلك وضع مدلولات الشعارات كفلسفة وإستراتيجية وعمل خلاق للدولة يجعل ذلك واقعا معاشاً يستفيد من فرصه الكامنة والكاملة كافة السودانيين على أُسس متساوىة من حقوق المواطنة بالعيش الكريم، والشراكة الإيجابية في الوطن الواحد المتحد. أداء الدولة ولأسباب شتى معقدة لا يزال مخفقاً في استلهام محتوى الشعار الذهبي للثورة. فالدولة بثالوث مكونها السيادي والوزاري والتنظيمي السياسي التحالفي المتمثل في الحرية والتغيير لا تتمكن حتى الآن من خلق الحد الأدنى من متطلبات الانسجام في إدارة شؤونهاـ والحرث على أرض خصبة جديدة توفر الإنجاز المطلوب بشغف عالٍ، وسقف مطالبات أعلى من الرأى العام والجماهير.
وقد
تتمظهر أهم علامات عجز الشراكة القائمة في عدم توافر النظرية القائدة الملهمة
للتغيير والمدعومة بتوافقات الثالوث عليها بقناعة واقتدار.
البحث عن أسباب العجز النظري قد تقود الى غياب الثقة بين الأطراف المتحالفة
في نمط وشكل اللقاء الذي بينها والذي هو الأقرب الى لقاء الإكراه منه الى لقاء
الإخوة في الوطن والمصير.
ومن أسباب
غياب الثقة ماضي العلاقة وفقر المدّ الديمقراطي في التكوين التاريخي للحلفاء في
إدارة دولة ما بعد الثورة – أي توافر أسباب العجز بفقر ثقافة الديمقراطية، والبحث
عن الحلول للمشكلات، بدلاً عن قبول الإصابة
بها، والركون والاستجابة لمضاعفاتها.
ان أزمة
ثقافة الديمقراطية أزمة اجتماعية بالأساس وضاربة بجذورها في قيم وتقاليد الأفراد
والجماعات النابعة من مناهج التربية والتقويم، غير المشجعة على التفكير العقلاني،
والذهنية العلمية، وقبول الآخر في مجتمعات متباينة تغطي نسبة غياب الاستنارة والوعي
بها النسبة العظمى من الخارطة السكانية المصابة بأمراض التخلف من فقر وفاقة، ومرض،
وجوع، إضافة إلى محتوى تقليدي من التعليم والثقافة.
والثالوث في مكونه الحضارى يحتاج -وبعد أن تعرض
ولثلاثة عقود لإعاقة سياسية متعمدة -إلى إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية، بإعادة اكتشاف
نفسه، ووضع تراثه العام من تراث عسكري وحزبي وتكنوقراطي في مختبر النقد والبحث عن
علاقات تفاعلية بينية معاصرة في أهم القيم التشاركية وإجراء التصالح مع ثقافة
المواطنة والعمل بها بنحو فعال. فثمة غبار كثيف وتلوث بالغ يضرب بالمكونات وبنياتها
الثقافية في علاقتها بمتطلبات المواطنة على أساس الحق الأصيل في التطور.
إن عدم وجود النظرية الملهمة القائدة للدولة والثورة
معا تفسرها تلك الأسباب وغيرها من عدم التخلص من أمراض تسبب النظام السابق في خلقها
ونقل عدواها للأجهزة القائمة (وليس البائد بعد).
فقد عمد
النظام السابق إلى إعاقة كل الوطن بأجهزته الاجتماعية والاقتصادية ومؤسساته السياسية
والمهنية، فخلق علاقات تبعيتها لثقافة الخلاف والشقاق والكراهية، بدلاً عن التوافق
بانطلاق من أغراض أمنية وتأمينية سعى إليها، وبحيث لا تتحقق إلا بتطبيق الشعار الكولونيالي
الأشهر والأشد ذيوعاً: فرق تسد.
إن التعافي، كما إجراء عمليات العدالة الانتقالية ربما
أحق بها حالياً، وقبل كل مجتمعات تحتية المجتمعات السياسية القائدة تحت إلحاح وحاجة
متفاقمة إلى تطبيقات إصلاحية وتصالحية ربما استدعت اقتراح العمل بتقليد (القَلِد) كرمز
للصلح والتصالح بالثقافة الشرق سودانية، وحتى ينتشر ويذيع برداً وسلاماً على الحياة
الاجتماعية السودانية العامة تأسيساً وتعميقاً لثقافة المواطنة الحقة المبحوث
عنها.