قيل ان اﻹنجليز عندما قرروا منح السودان استقلاله وبدأت مرحلة سحب قواتهم .. كان أحد خبرائهم من اﻹدارين بسرايا الحاكم العالم جالسا علي كرسيه خارج مكتبه فخطرت له فكرة فنهض من الكرسي وسحب برنيطته (الكاب) من رأسه ووضعها فوق أعلي نافذة من نوافذ القصر ثم عاد وجلس علي الكرسي ثم نادي علي مجموعة من الموظفيين والعمال السودانيين المتواجدين داخل سرايا الحاكم العام وقال لهم( هناك جائزة فوق البرنيطة او الطاقية في أعلي النافذة والجائزة لمن يستطيع الوصول اليها، تدافع السودانيون وكل واحد منهم يطمع في الفوز بالجائزة كان التنافس بينهم محتدما والرجل اﻹنجليزي يراقبهم وقد لاحظ أنه كلما صعد واحد منهم واقترب من البرنيطة (الكاب) امسك البقية برجليه وسحبوه إلي اﻷرض ومنعوه من الوصول للهدف، تكرر المشهد طوال مايزيد عن الساعة ، بعدها اوقفهم ألرجل اﻹنجليزي منهيا تنافسهم ثم صعد وتناول البرنيطة (الكاب) بعصاته ثم التفت اليهم قائلا:-( أنظروا ليس هناك جائزة وإنما إختبار لكم ولﻷسف فشلتم في اﻹختبار ودعوني أقول لكم نحن سنسلمكم بلدكم ونذهب ولكنكم لن تنجحوا في إدارة بلدكم والدليل فشلكم في هذا اﻹختبار البسيط.. اتعرفون لماذا ﻷنكم تتعاون علي التعطيل ولاتتعاونون لتحقيق النجاح اذا كان اﻹختبار لنا نحن كنا جلسنا اولا واتفقنا علي تحديد واحد منا ليصعد ويصل الي الهدف علي ان نتعاون جميعا في مساعدته حتي يصل البرنيطة (الكاب) ويستلم الجائزة وينزل ليوزعها بيننا بالتساوي ) تلك الحكاية لا ادري مدي صحتها ولكنها تلخص واقعنا السياسي بدقة متناهية.
الواقع السياسي اﻵن يكشف بوضوح إننا نؤكد صدق كلمات ذاك اﻹداري البريطاني وإننا مازلنا نجيد التعطيل ولا نتعاون لتحقيق النجاح، فالثورة لها ثمرة وهي تخليص الوطن من ازماته وبناء دولة العدل والسلم والحرية والنهضة ، ولكن تكرار ذات الفشل الذي ارتكبناه في اختبار الرجل البريطاني بسرايا الحاكم العام قبيل اﻹستقلال ما زال يلازمنا طوال هذه الحقب منذ اﻹستقلال وحتي هذه اللحظة.
والمؤسف حقا تباطوء التيارات التي صنعت الثورة امثال الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والحركات المسلحة واﻷحزاب السياسية وفي مقدمتها احزاب اليسار اﻹشتراكي (شيوعيين وناصريين وبعثيين ) والاحزاب التقليدية (حزب اﻷمة وتجمع اﻷحزاب اﻹتحادية والحزب القومي السوداني) عجزت جمعيا في التوافق لمساندة الحكومة اﻹنتقالية ، ولكنها تنصلت جميعها من واجبها الوطني وقررت اﻷنسحاب الواحدة تلو اﻷخري وكأنما توافقت في الخفاء ﻹسقاط الحكومة اﻹنتقالية بإنسحابها وتركها لرئيس الوزراء حمدوك وحيدا يجتهد ليحمي مركب الحكومة اﻹنتقالية من الغرق قبل الوصول الي شاطئ اﻷمان.
ولكأني بالشعب السوداني اليوم يبحث عن وطنه وثورته وقد ازدادت حيرة الناس حول مصير ثورتهم وآمالهم في إعادة بناء وطنهم وتاسيس حكمهم المدني القائم علي العدل والعلم والمساواة والتعاون والسلام الدائم. الشعب يبحث اﻵن عن الوطن والثورة ..