الشعب السوداني هو أول شعب في العالم يسقط ثلاث أنظمة عسكرية دكتاتورية بثورات شعبية سلمية في نصف قرن، اسقط عبود بانتفاضة أكتوبر ١٩٦٤ وأسقط النميري بانتفاضة أبريل ١٩٨٥ وأسقط البشير بانتفاضة ديسمبر ٢٠١٨، على التاريخ ان ينحني اجلالا لهذا الانجاز ، وان يحفظ للسودانيين اصرارهم على إسقاط الأنظمة الدكتاتورية مرة تلو أخرى بثورات شعبية سلمية.
ما قام به السودانيون في ثورة ديسمبر من انتصار سلمي على أعتى دكتاتوريات أفريقيا يعتبر أمرا اشبه بالمستحيل ، فقد كان كل شيء من حولهم ينبيء باحتمال فشل الثورة او انزلاقها لحرب أهلية مدمرة ، فالنظام الانقاذي حكم ٣٠ سنة متتابعة ليكون من بين اطول الانظمة الشمولية عمرا في افريقيا ، الاقليم من حول السودان مضطرب ومليء بالحروب التي أعقبت ثورات شعبية مماثلة في ليبيا واليمن وسوريا ، بالإضافة إلى معاناة السودان من حروب طويلة الأمد ، افرزت وجود أكثر من أربعة جيوش مسلحة داخل السودان في لحظة اندلاع الثورة ، هذا بالإضافة الى مجابهة ثورة ديسمبر لتنظيم ديني مهووس بالقتل والإبادة .
رغم كل هذه التحديات والظروف القاهرة المانعة موضوعيا لنجاح ثورة بالطرق السلمية الا إن الشعب السوداني لم يتخلى عن سلميته أبدا طيلة شهور طويلة وقاسية، سقط عشرات ثم مئات الشهداء وآلاف المصابين والاف المعتقلين ولم تفتر عزيمة الثوار ولم تلن لهم قناة ، رغم القمع والقتل والسحل لم يحمل هذا الشعب الأسمر سلاحا ولا مطرقة بل وقفوا كما وقف الشهيد عبدالعظيم شامخين امام الرصاص والبمبان حتى انتصروا .
ما فعله الشعب السوداني طيلة تسعة أشهر من التمسك بالسلمية رغم المنعرجات الخطيرة التي مرت بها الثورة والتي كانت كفيلة بدفع أي شعب لحمل السلاح ، يعتبر أعظم دور قام به شعب في العصر الحديث من أجل المحافظة على السلام الداخلي والعالمي ، فانزلاق السودان إلى حرب أهلية كان يمكن أن يفجر كل المنطقة وينقل عدوى العنف والدماء بعيدا لبقية العالم، مما يجعل صبر الشعب واحتماله لهذه الظروف صبرا نادرا واستثنائيا يجعل من هذا الشعب مثالا للشعوب المحبة السلام والسلمية ، وهو ما يجعلنا نفتخر بين شعوب العالم بنموذج ثورة ديسمبر السودانية .
السلام الذي حافظ عليه السودانيين خلال هذه الثورة ودفعوا من اجله ثمنا باهظا ، كان سلاما لا يحافظ عليه الا الأقوياء أصحاب الارادات الجبارة والعزيمة القوية والبصيرة النافذة ، كان سلاما من الصعوبة بمكان المحافظة عليه ولكن السودانيين فعلوها وحققوا المستحيل وقدموا الدروس والعبر في النضال السلمي من أجل اقتلاع الحرية والديمقراطية للمرة الثالثة على التوالي .
فليهنا شعبنا بثورته، فما حققه كان عظيما ومتفردا ، وليحتفل اليوم بعيد الأضحى كما لم يحتفل من قبل ، فاعياده الماضية جميعها كانت في ظل ظروف صعبة، عيدا الفطر والاضحى من العام الماضي ٢٠١٩ كانا بلون الدم بعد فض الاعتصام، وعيد الفطر ٢٠٢٠ كان في ظل وضع الإغلاق الكامل لمواجهة كورونا، ليكون هذا العيد اول متنفس فيه براح ولو مقيد، يجعلنا نبارك فيه لهذا الشعب عيده ونسأل الله أن يحقق امانيه في السلام والعدالة والحرية، مذكرين ان يتبع الجميع الإرشادات الصحية التي تعلنها وزارة الصحة، وكل عام والشعب والوطن بخير.
sondy25@gmail.com