تقرير: إسماعيل محمد علي
في إطار استكمال هياكل السلطة المدنية الانتقالية البالغة فترتها 39 شهراً، وتنفيذاً لمطالب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، عيّن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في وقت سابق، 18 حاكماً مدنياً لولايات السودان، ليحلوا محل الولاء العسكريين.
تأتي هذه الخطوة في ظل تأزم الأوضاع الأمنية والاقتصادية في عدد من ولايات البلاد، وهو ما اعتبرها مراقبون توجهاً مهماً من شأنه حفظ الأمن والاستقرار في تلك الولايات، فضلاً عن بسط هيبة الدولة. لكن ما هي أهم ملامح خطط حكام الولايات لمعالجة تلك الأوضاع المتأزمة على الصعد كافة؟
السلام المجتمعي
على صعيد آخر يشرح والي ولاية جنوب كردفان السودانية حامد البشير خطته لانتعاش الولاية أمنياً واقتصادياً واجتماعياً بالقول، “تختلف ولاية جنوب كردفان لحد كبير عن بقية ولايات السودان لارتباطها بالعنف النشط ذي الطابع القبلي، فكلما هدأ الوضع يعود ويتجدد مرة أخرى، لذلك فإن أولوياتنا في هذه الولاية واضحة تتمثل في تحقيق الأمن المجتمعي وسلامه، ودعم وتمكين هيبة الدولة، وتخفيف معاناة المواطنين المعيشية من خلال دعم الأسر الفقيرة والمتعففة، وزيادة دعم السلع الاستراتيجية، والعمل على إعادة النسيج الاجتماعي الذي يهتك بسبب النزاعات الطويلة، والحد من انتشار السلاح ما جعل الولاية تتصدر وتيرة الانفلات الأمني، والسعي لتوفير الخدمات الأساسية في المحيطين الحضري والريفي، وتشمل المياه والكهرباء والصرف الصحي والرعاية الاجتماعية وإصحاح البيئة والتعليم، وتأمين الموسم الزراعي وزيادة مساحة الزراعة الآلية التي شهدت انخفاضاً في معدلاتها”. ولفت إلى أن طول أمد الحرب لفترة 35 عاماً فرض واقعاً مؤلماً على الولاية وسكانها، والتي تسببت فيها المركزية القابضة والفشل في إدارة التنوع والتنمية غير المتوازنة وقضية الهوية الوطنية والسياسات الإقصائية للآخر والوصاية الثقافية.
وبيّن أن المشهد القائم حالياً في الولاية غير ملائم، لأنه تحيط به مخاطر عدة وتراجع كبير في أساسيات الحياة، مما أدى إلى تزايد معدلات الهجرة من الولاية لولايات أخرى، ومن الأرياف للمدن ومنها لخارج السودان، فضلاً عن التدهور المريع في الاقتصاد الزراعي الريفي كنتاج طبيعي لهذه الهجرات، بينما أفرز التدهور في النظام التعليمي جيوشاً جرارة من الفاقد التربوي، إذ تشير المعلومات إلى أن 12 في المئة فقط من الذين يدخلون المدارس في الولاية، يكملون المرحلة الابتدائية، إضافة إلى ما خلفته الحرب من وضع مأساوي للأطفال أدى إلى ارتفاع نسبة الوفيات لما دون سن الخامسة، وانتشار سوء التغذية بنسب عالية، وزيادة عدد الإصابة بالأنيميا وسط النساء.
حلول ومعالجات
زاد البشير “حجم التحديات في الولاية كبير، لذلك ظللت منذ تعييني والياً أبحث عن الحلول والمعالجات، وعكفت مع بعض الخبراء الاقتصاديين لصياغة خطة عاجلة للاستجابة السريعة لوضع الولاية الراهن مداها خمسة أشهر، تتضمن إيجاد مصالحات على نطاق واسع لتحقيق السلام خصوصاً في منطقة كادوقلي، من خلال إقامة ورش عمل ومؤتمرات وجوديات للأطراف المتناحرة كافة، والعمل على إيجاد معالجات تنموية في مجالي التعليم والصحة، تشمل توفير وجبات ومعدات مدرسية للأطفال، وتوفير الأدوية الخاصة بأمراض الطفولة والأمومة والملاريا والإسهالات والمضادات الحيوية وغيرها، فضلاً عن إقامة مشروعات اجتماعية تستهدف الشباب ومشروعات الدعم النقدي للأسر، ودعم وتقوية مؤسسات الشرطة والعدلية والإدارة الأهلية لتعزيز السلام والأمن، ودعم لجان تفكيك التمكين بالولاية”.
على ذات الصعيد أكد والي جنوب كردفان أنه سيباشر بمشاركة واسعة من أبناء الولاية والخبراء، بوضع خطة ولائية خمسية متناسقة مع الخطة القومية ومستلهمة من برنامج الثورة وبرنامج الفترة الانتقالية، من أهم ملامحها توطين السلام وتمكينه اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وبسط العدالة الاجتماعية، وإعادة التأهيل والبناء لما دمرته الحرب، والتركيز على التنمية البشرية والاجتماعية، وتشمل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، فضلاً عن التنمية الاقتصادية القائمة على ركائز الزراعة والثروة الحيوانية والتصنيع المرتبط بهذين القطاعين، إلى جانب الاهتمام بمشروعات التدريب المهني وتمويل الشباب، ومشروعات تستهدف دعم المرأة وتمكينها في الريف والحضر.
الأمن والتنمية
وفي السياق ذاته، يوضح والي ولاية جنوب دارفور موسى مهدي “لكل ولاية خصوصيتها وقضاياها التي تتطلب معالجات بطرق تراعي تركيبة ورغبات مكونات المجتمع المحلي، وبالنظر لتلك القضايا فإن برنامجنا للنهوض بهذه الولاية يتضمن العمل على استتباب الأمن وبذل كل الجهود المتاحة في هذا الشأن، لأن معالجة هذا الأمر تعني التنمية في كل مجالاتها، واستقطاب الاستثمار المحلي والخارجي والزراعة والرعي وغيرها، فضلاً عن مضاعفة المساعي لتخفيف أعباء المعيشة عن كاهل مواطني الولاية من خلال العمل على برنامج غير مسبق، يقوم على توفير الاحتياجات السلعية كافة بأسعار مشجعة، إلى جانب رتق النسيج الاجتماعي وإفشاء روح التسامح والتعايش والسلام بين المكونات السكانية في الولاية”.
منوهاً إلى اتجاههم لوضع آليات محكمة لجمع السلاح، والتعامل بحسم مع المتفلتين الذين يستهدفون أمن الولاية واستقرارها، والسعي لتوثيق علاقات التعاون مع البعثة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة (اليوناميد) والتنسيق معها لتحقيق السلام والاستقرار، والعمل على فرض القانون بصرامة وبسط هيبة الدولة بما يضمن عدم تكرار النزاعات من وقت لآخر.
توطين النازحين
وبما أن النزاعات القبلية تمثل واحدة من أكبر المهددات الأمنية التي تواجه الولاية، يشير مهدي إلى أن هذه النزاعات تفجرت في عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير بسبب الأرض، فضلاً عن الأخطاء التي ارتكبت في تكوين المحليات التي قُسمت على أساس القبلية، وستقوم خطتنا لمعالجة هذه القضية على عقد اتفاقيات مصالحة بين المكونات المتخاصمة لأنها تعد الطريق الوحيد للوصول إلى سلام يحقن دماء القبائل. فقد شهدت الأيام الماضية صلحاً بين قبيلتي الرزيقات والفلاتة من خلال مؤتمر جمع أعيان القبيلتين ومسؤولين ورجالات الإدارة الأهلية في الولاية. وهناك مساع لإبرام صلح بين هاتين القبيلتين وتهدئة حدة الخلافات بينهما، كذلك تم تشكيل لجنة لتهدئة الخواطر بين قبيلتي المسيرية والفور، إضافة إلى أنه تبذل حالياً مساع لعقد مؤتمر صلح بين الرزيقات وبعض المكونات القبلية بشرق مدينة نيالا، وكل هذه المشاكل سيكون علاجها بواسطة المصالحات، ومن بعدها تنفيذ القانون على الجميع من دون تهاون.
أضاف “ستكون قضية توطين النازحين وعودتهم إلى مناطقهم من أولويات خطتنا، إذ نعمل على استتباب الأمن في المناطق التي نزحوا منها فترة الحرب، وتمكينهم من الحصول على مواردهم التي حُرموا منها لسنوات طويلة خلال فترة النظام السابق، ونأمل أن نجد الدعم اللازم خصوصاً من الدول الصديقة والمنظمات الدولية لتهيئة الأوضاع لهؤلاء النازحين حتى يعيشوا في وئام وأمان”.
أشار والي جنوب دارفور إلى أن ولايته تزخر بالعديد من الموارد الطبيعية في مجالي الزراعة والثروة الحيوانية، مما يؤهلها لإقامة العديد من الصناعات، فهناك دراسات تمت في السابق تفيد بجدوى قيادة تنمية صناعية تعمل على الإمكانيات المتاحة، وذلك بإمكانية زراعة قصب السكر بكميات تحقق الاكتفاء المحلي، وتحقيق فائض للتصدير، فضلاً عن إقامة مشاريع للأعلاف والألبان واللحوم، مؤكداً أن حكومة ولايته ستولي موضوع التنمية الصناعية أهمية كبرى من خلال إقامة ورش عمل ومؤتمرات متخصصة تضع اللبنة الأولى للنهوض بهذا المجال.
ثورة نهضوية
ومن جانبه أوضح والي ولاية النيل الأبيض في السودان إسماعيل وراق أن “ولاية النيل الأبيض شهدت إهمالاً واضحاً خلال فترة حكم نظام البشير، على الرغم مما تزخر به من إمكانيات وموارد في مجالات عدة، خصوصاً الزراعة والصناعة، إذ ظلت خارج حسابات الحكم السابق لأسباب معلومة للجميع، لذلك فإن الولاية تحتاج لثورة نهضوية في المجالات كافة، وهو أمر يتطلب تضافر جهود رسمية وشعبية عدة، وهذا ما نسعى له من خلال عقد لقاءات وورش عمل ومؤتمرات متخصصة، تناقش التحديات وتقترح الحلول والمعالجات والتي سيتم تنفيذها بواسطة خطط إسعافية وأخرى قصيرة وطويلة المدى، حسب الأولويات للقضايا الملحة”.
وأضاف “بحكم متابعتي اللصيقة لقضايا الولاية باعتباري أحد أبنائها المهمومين بمشكلاتها وإنسانها، فإنه من المؤسف حقاً أن تتعطل عجلة التنمية في هذه الولاية خلال السنوات الـ30 الماضية، فلم تشهد إقامة مشاريع إنتاجية على الرغم من توفر الفرص المتاحة، حتى ما هو موجود من مرافق خدمية ومشروعات تعليمية وصحية ومياه وكهرباء وغيرها تعرض للإهمال، فتحمل عبء ذلك أبناء المنطقة الخيرين، فضلاً عن هشاشة البنية التحتية وتفشي الفقر. لذلك ستكون خططنا داعمة لقضايا التنمية المستدامة والمتوازنة والعادلة بين مدن الولاية وأريافها من دون تمييز، وبذل الجهود لتوفير احتياجات المواطنين من السلع الاستراتيجية بأقل الأسعار والتكاليف، وتحقيق الوفرة لرفع المعاناة عن إنسانها، وبسط الأمن وفرض سلطة الدولة وهيبتها وعدم التهاون في القضايا المخلة بالاستقرار، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلام المجتمعي، تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول) وأهدافها”. أكد أنه سيتجه في إدارة شؤون الولاية بطريقة تشاركية مبنية على الحوار، وكذلك التواصل مع كل مكونات الحاضنة الاجتماعية في الولاية، والحاضنة السياسية ممثلة في قوى “الحرية والتغيير”، وذلك لإيماننا التام بأن تحقيق النجاح لا يتم إلا بتضافر سواعد أبناء الوطن كافة.
كما بيّن وراق أنه سيعمل على رتق النسيج الاجتماعي الذي شهد تهتكاً كبيراً، ودعم التعايش المجتمعي والقبلي، وتقوية دور الإدارة الأهلية وتمكينها في أداء واجباتها المتمثلة في تعزيز السلم والاستقرار ونهضة المجتمع، إضافة إلى محاربة الفساد وإزالة التمكين بكل أشكاله، لافتاً إلى أنه سيولي العلاقة مع دولة جنوب السودان اهتماماً خاصاً بحكم الحدود المشتركة والتداخل القبلي، إذ توجد حركة تجارية نشطة عبر الحدود البرية، فضلاً عن تبادل المنافع بين مواطني الدولتين لا سيما في جانب المراعي، إذ تشتهر هذه المنطقة الحدودية بالثروة الحيوانية والزراعة على ضفاف النيل.